Category Archives: التجارة الالكترونية

الرقابة المالية الحكومية في بيئة الحاسب الإلكتروني

الرقابة المالية الحكومية في بيئة الحاسب الإلكتروني

الرقابة المالية الحكومية في بيئة الحاسب الإلكتروني-التجارة الإلكترونية – Electronic Commerce-الحكومة الإلكترونية Electronic Government

يتجه العالم اليوم بقوة نحو استخدام الحاسب الإلكتروني وملحقاته المختلفة في كافة شئون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، نظراً لأهميته البالغة في المعالجة الدقيقة والسريعة والحفظ الكبير للمعلومات وإعداد التقارير ذات الموثوقية والملائمة ولعل التوجه السياسى الرشيد للبلاد فى الوقت المعاصر قد أهتم دوما بتنفيذ الخطط الاستراتيجيه والمشروعات الاساسيه من حيث انتهى الاخرون اليه فى العالم المتقدم كما حدث فى صناعة الاتصالات والنفط وغيرها،و قد استهدف التخطيط السياسى ايضا خلال الحقبه الزمنيه الحاليه الولوج الى تطبيق مفهوم الحكومه الالكترونيه الذى تسهم فيه الرقابه الحكوميه المحوسبه بفاعليه وتعد من دعائمه الاساسيه فى التقرير عن النتائج بنجاح الخطط المستهدفه لهذا المفهوم (الحكومه الالكترونيه).

الرقابة المالية الحكومية في بيئة الحاسب الإلكتروني-التجارة الإلكترونية – Electronic Commerce-الحكومة الإلكترونية Electronic Government
 الحكومة الإلكترونية Electronic Government
التجارة الإلكترونية – Electronic Commerce



ويعرف نظام الحاسب الالكتروني على أنه: “مجموعة من الأجزاء المتكاملة والمترابطة التي صممت ونظمت لمعالجة البيانات إلكترونياً من خلال قبول وتخزين المدخلات منها ثم تشغيلها وإنتاج المعلومات (المخرجات)، وفقاً لتوجيهات برنامج يشتمل على تعليمات تفصيلية خطوة بخطوة لما يجب عمله لتحقيق الهدف من التشغيل”.

إن النظم الرقابية كواحدة ضمن النظم الهامة في الأعمال الإدارية قد شهدت ما شهدته النظم الإدارية الأخرى من تطور في وسائلها الإجرائية باستخدام الحاسوب، حيث أثرت ثورة تكنولوجيا الحاسبات الإلكترونية على العملية الرقابية فأدت إلى تطورها وازدياد أهميتها مما دفع بكثير من المعاهد المحاسبية المهنية المتخصصة إلى وضع إطارات منظمة لمراجعة نظم المعلومات المحاسبية الإلكترونية التي يفوق التطور المتلاحق فيها التطور في أساليب وقواعد الرقابة، هذا بالرغم من جهود المنظمات المهنية الساعية لتطوير أساليب الرقابة لمواجهة التطور في تكنولوجيا المعلومات المالية والإدارية.

ولما كانت التجارة الإلكترونية – Electronic Commerce والتي تعتبر منهجاً حديثاً لأداء الأعمال التجارية باستخدام شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تتميز بعدم وجود وثائق ورقية متبادلة في إجراء وتنفيذ المعاملات المالية، حيث تتم هذه المعاملات من خلال إرسال كافة الوثائق إلكترونياً ودون استخدام للأوراق، إضافةً إلى أنها فتحت الباب لظهور مفهوم جديد يسمي الحكومة الإلكترونية Electronic Government، وهو نظام يتم بمقتضاه تحويل المعاملات الحكومية مع المؤسسات والمواطنين إلى صورة إلكترونية، وهو ما يتزايد الاتجاه للأخذ به مستقبلاً.

في ظل هذا التسارع في التطور كان لا بد من المسارعة إلى التفكير في أسلوب الرقابة على معاملات الأنشطة الحكومية في بيئة إلكترونية بدون مستندات ورقية، وقد دعت المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (أنتوساى – Intosai) في مؤتمرها الرابع عشر بواشنطن خلال العام 1992م في ندوتها التقنية إلى إقامتها إلى ضرورة إستخدام الأساليب الحديثة في إجراءات التدقيق بواسطة الحاسب الإلكتروني، وإلى معرفة وسائل تدقيق نظم الحاسب الإلكتروني. كما اهتمت الهيئات والمجامع المهنية بإصدار معايير الرقابة المالية ذات الصلة بتقنية المعلومات، حيث أصدر الاتحاد الدولي للمحاسبين عدد من المعايير وبيانات التدقيق الدولية وهي:

– المعيار الدولي للتدقيق رقم (401) وموضوعه عن المراجعة في بيئة أنظمة المعلومات المحاسبية المحوسبة.
– المعيار الدولي للتدقيق رقم (402) وموضوعه اعتبارات المراجعة المتعلقة بالمؤسسات المستخدمة للتقنيات الحديثة.
– بيانات التدقيق الدولية بالأرقام (1001 – 1002 – 1003) وموضوعاتها عن بيئة أنظمة المعلومات المحاسبية المحوسبة.
– بيان التدقيق الدولي رقم (1008) وموضوعه تقدير المخاطر الناتجة عن استعمال الحاسوب والرقابة الداخلية.
– بيان التدقيق الدولي رقم (1009) وموضوعه طرق المراجعة بالحاسوب.
يتضح من ماسبق مدى الحاجة الى دراسة الرقابة المالية الحكوميه في ظل التقنية الحديثة التي يعتبر الحاسوب مرتكزها الأساسي(وبخاصه الدولة تتجه فى الوقت المعاصر الى تطبيق مفاهيم الحكومه الالكترونيه)، وسيسعى الكاتب لتناول هذه الوجهة من خلال محورين على النحو التالي:

– طبيعة استخدام الحاسوب في العمل الرقابي.
– إجراءات الرقابة المالية الحكومية في ظل الأنظمة الإلكترونية.

أولاً: طبيعة استخدام الحاسوب في العمل الرقابي:
إزداد الاهتمام بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة بقضية إستخدام الحاسوب في مجالات أعمال الرقابة المالية، وأضحى المراقبين الماليين سواء الداخليين أو الخارجيين يستخدمون الحاسوب في كافة المجالات من تخطيط وعمل إداري بحت ومتابعة الفروقات في الموازنات وكتابة التقارير والعديد من المجالات المتصلة بشكل مباشر بطبيعة عملهم. ومفهوم الرقابة بالحاسوب عموماً يعنى: إستناد النظام الرقابي على استخدام الحاسوب في ممارسة العملية الرقابية وفق برامج محوسبة معدة خصيصاً لهذا الغرض بما يحقق الاقتصاد في الجهد والوقت والتكلفة للوصول إلى النتائج المطلوبة بأقل ما يمكن من المخاطر.

وفي سبيل استخدام الحاسوب في العمل الرقابي لا بد من الأخذ بعين الاعتبار المعايير التالية للاسترشاد بها:

أ. درجة المخاطر المتوقعة من اختيار الرقابة بالحاسوب:
بمعنى إدراك المراقب المالي الحكومي لدرجة احتمال عدم تحقيق الرقابة المحوسبة للأهداف المخططة، مما يتطلب منه الموازنة بين المخاطر التي ستنجم عن استخدام الحاسوب في العملية الرقابية وبين المنافع التي يمكن تحقيقها من استعماله، وبناء على ذلك اختيار البديل الذي يحقق أقل قدر من المخاطر مع أكبر منفعة ممكنة.

ب. الاقتصاد في الجهد والنفقات:
يقصد به اختيار أسلوب الرقابة الذي يحقق أفضل النتائج بأقل كلفة وجهد ممكن، وهذا يعنى المفاضلة بين الرقابة المحوسبة والرقابة اليدوية من ناحية الكلفة والجهد والنتائج مع مراعاة حجم العمليات المالية الخاضعة للرقابة في جميع الأحوال.

ج. الإمكانيات والموارد المتاحة:
ويقصد بذلك مراعاة الأخذ بالإمكانيات والموارد المالية والمادية الأخرى اللازمة عند اختيار الرقابة بالحاسوب لتنفيذ الأعمال الرقابية، ويدخل ضمن هذا المفهوم ضرورة وجود الكوادر المؤهلة التي تحسن استغلال الموارد المتاحة بتحقيق أفضل درجات من التشغيل وتبعاً لذلك الخروج بأفضل النتائج.

د. آثار استخدام الحاسوب وما يترتب عليه من مشكلات:
إن استخدام الحاسوب في الأعمال الرقابية يتطلب وجود نظام محاسبي أو مالي محوسب، وأيضاً وجود نظام رقابة داخلية محوسب، ونظم شبكية للربط وكذلك نظم إدارية أخرى محوسبة، إذ أن إدخال نظام رقابي حيز التطبيق في ظل اعتماد المؤسسة على أنظمة يدوية إدارية مختلفة الأغراض؛ لن يحقق النجاح لتطبيق العملية الرقابية لتعذر التنسيق بين التطبيق الإلكتروني على أنظمة يدوية، ومن المعروف أن أهم مبادئ فلسفة أنظمة المعلومات الإلكترونية تدعو إلى تكامل الأنظمة مع بعضها البعض وعليه لا بد من تطبيق مفاهيم الحوسبة الشاملة لأعمال الإدارات داخل الكيان الاقتصادي إذا ما أريد تطبيق نظام رقابي محوسب. وفي مجال آخر نجد أنه عند إستخدام الحاسوب في العملية الرقابية لا بد من تهيئة أجواء كافية من الحماية تجابه بها المشكلات التي تنتج عن إستخدام الحاسوب وهي متعددة منها على سبيل المثال: اختراق أمن المعلومات، وسوء إستخدام الكوادر العاملة وأثر التردد الكهربائي على الحاسوب والفيروسات التي تصيب الحاسوب والتقادم التقني وغيرها، كما تتعدد تبعاً لكل نوع وسائل الحماية المناظرة مثل: تأهيل وتدريب الكوادر، وإستخدام منظمات التردد الكهربائي وبرامج حماية الفيروسات وتحديث الأجهزة خلال فترات مناسبة وغيرها.

ويسهم الحاسوب عموماً في مجال العمل الرقابي في تحقيق مزايا متعددة أهمها ما يلي:

– خفض مدة العمل الميداني عن طريق سرعة ودقة اختيار العينات واختبارها.
– تسهيل عمليات التحليل المالي.
– التركيز في الرقابة على أهم العمليات المالية وفقاً للبرمجة النوعية المسبقة، مما يساعد على تحقيق أهداف الرقابة وزيادة الكفاءة في العمل الرقابي.
– تعدد التقارير الرقابية التي يمكن إصدارها وتنوعها حسب نوع مهمة الرقابة وإبداعات (مهارات) المراقب المالي، وذلك بالاستعانة بالإمكانات العالية لقاعدة البيانات الرقابية.
– تقليل فرص ارتكاب الأخطاء والغش في البيانات المالية.
– إحداث تغيرات إيجابية في شكل وطبيعة المجموعة المستندية نتيجة لإستخدام الحاسوب.
– الدقة في الأداء والسرعة في معالجة البيانات وإعداد المعلومات وعرضها.
– إحكام الرقابة الداخلية والذاتية على التنفيذ بحيث يمكن تلافي الأخطاء في مراحل التشغيل المختلفة أول بأول.
– زيادة الثقة في المعلومات الناتجة من التشغيل على الحاسوب، بحيث يمكن استخدامها من قبل متخذي القرارات كأساس سليم وموثوق به في صنع القرارات.

و كما أن للحاسوب مزاياه في العمل الرقابي له أيضاً في المقابل مشكلات تنتج عن استخدامه، ويجب مجابهة هذه المشكلات عبر المناهج العلمية المعاصرة في هذا الشأن والتي تهدف إلى توفير وسائل الأمن والرقابة التي تعمل على ضمان سلامة استمرار النظام الرقابي المحوسب وهو ما يعرف علمياً بمنهج رقابة وأمن المعلومات المحوسبة.

والمهم في هذا المجال ضرورة إقحام العاملين في مجالات الرقابة المالية الحكومية في حقل الرقابة المحوسبة مع تهيئة المناخ والبيئة المناسبة لضمان نجاح هذه التقنية في العمل الرقابي، وما يتطلبه ذلك من تأهيل مستمر للكوادر تبعاً للتطورات التقنية في مجال الحاسوب وأنظمته المختلفة الملحقة، إضافة إلى تطوير الإجراءات الرقابية بما يتناسب مع التطور في الأنظمة المحوسبة المستخدمة، وتهيئة الوسائل العلمية لحماية وصيانة هذه الموارد (الأنظمة الرقابية المحوسبة).

ثانياً: إجراءات الرقابة المالية الحكومية في ظل الأنظمة الإلكترونية:
يقصد بها الإجراءات التي تتبع في سبيل ممارسة العملية الرقابية على الأنظمة المالية المحوسبة، وتتمثل في الآتي:

1. إجراءات الرقابة الوقائية:
هي التي تتم عن طريق الإشراف الشامل بهدف توقع الأخطاء ومنع حدوثها قبل وقوعها، أو الاستعداد لمواجهتها والتحقق من نتائجها، وذلك من خلال التصديق على البيانات المالية واعتمادها وإعداد المستندات الأصلية وتبويبها وتحديد المعاملات، ومن هذه الإجراءات ما يلي:

– التحقق من مطابقة مجاميع البيانات المالية الرقمية مع مجاميع مفردات البيانات المالية التي تدخل للنظام المحوسب على فترات.
– التحقق من الاستخدام السليم لنظرية القيد المزدوج في المعاملات وتوازن الأرصدة تبعاً لذلك.
– التحقق من وجود دليل تشغيل واضح ومفهوم.
– التحقق من تداول البيانات بصورة كفؤة عن طريق الأفراد العاملين وعلى نطاق شبكات الاتصالات الداخلية لمستويات الإدارة المستهدفة.
– التحقق من وجود إشراف فني على عمليات الحاسوب.
– التحقق من توزيع الصلاحيات وفقاً للمسئوليات بين القائمين على عمل النظام الالكتروني.
– التحقق من أن المستندات المؤيدة للمعاملات متسلسلة ومعبرة بطريقة سليمة تسمح بالتأكد من أن جميع بيانات المستندات قد تم إدخالها للنظام المحوسب.
– التحقق من العلاقات المنطقية للبيانات، أي اختبار أداء الحاسوب لمعرفة ما إذا كانت مقومات بيانات المدخلات لها علاقاتها المنطقية مع بعضها البعض أو مع بيانات الملف الدائم.

2. إجراءات الرقابة العلاجية:

هي مجموعة الإجراءات المتبعة بعد وقوع الأخطاء، ثم محاولة تحليلها لمعرفة مسبباتها ومن ثم تصحيحها، وتهدف هذه الإجراءات إلى الرقابة على كل العمليات المتصلة بتشغيل البيانات، أي عملية اختبار الحاسوب وإعداده للتشغيل، واختيار برامج التشغيل، والرقابة على الملفات، وذلك بغرض التأكد من ضمان صحة عمليات المعالجة التي تقوم بها نظم المعلومات المالية المحوسبة، وعادة ما يتم تضمين هذا النوع من الوسائل الإجرائية خلال كتابة برامج النظم.

3. إجراءات الرقابة على المخرجات:
يقصد بها الرقابة على إعداد النتائج (المعلومات والتقارير النهائية)، وتهدف عموماً إلى التأكد من دقة وصحة واكتمال المخرجات، وتتبع العديد من الوسائل الرقابية في هذا النوع مثل:

– رقابة المجموعات ومقارنة البيانات الحالية ببيانات تاريخية.
– التأكد من تمتع هذه المخرجات بالمصداقية والموضوعية.
– التأكد من أن هذه المخرجات تصل للجهات المسئولة في الوقت المناسب.
– التأكد من أن هذه المخرجات تتضمن معلومات تعزز الرقابة عليها، كأن يدون عليها الاسم وتاريخ الإنتاج والبرنامج الذي أنجزت بواسطته وأرقام الصفحات واسم الملف الدائم الذي يحويها في الحاسوب.

وجدير بالذكر الاشاره هنا الى أن فعالية تطبيق إجراءات الرقابة بالحاسوب تتوقف بالدرجة الأولى على المراقب المالي الحكومي القائم بها ولذلك لا بد من مراعاة الآتي:

‌أ. أن تتوفر للمراقب المالي الحكومي المعرفة والخبرة الكافية حول استخدام الحاسوب، حيث أنه من المتعذر عليه إن لم يسبق له التعامل مع الحاسوب تطبيق إجراءات رقابية على برنامج محوسب للتحقق من سلامة تنفيذ العمليات المالية في هذا البرنامج. وعليه فإن المعرفة والتأهيل والخبرة في مجال الرقابة المالية المحوسبة تكسب المراقب الثقة والقدرة على التطبيق.

‌ب. أن تتوفر طرق المراجعة والرقابة بمساعدة الحاسوب وإمكانية سيطرة المراقب على هذه الطرق، بمعنى إشتمال برامج الحاسوب الرقابية على وسائل تساعد في إتمام العملية الرقابية فضلاً عن استخدام المراقب لخبرته الفنية الأخرى في تصميم الاختبارات على الأنظمة المالية المحوسبة.

‌ج. مدى فهم المراقب المالي الحكومي للنظام المالي ونظام الرقابة الداخلية، حيث أن فهمه لذلك يحقق مزايا إضافية في طريقة حصوله على أدلة إثبات كافية وملائمة ومعرفة مدى ملائمة التصميم العام وفعالية التشغيل للنظام المالي المحوسب.

‌د. مدى قدرة المراقب المالي الحكومي على تقدير مخاطر الرقابة الناجمة عن استخدام الحاسوب والبعد العلمي لآثارها على عمله في المقابل ومحاولة دراسة الاتجاهات الحديثة في مجال أمن المعلومات المحوسبة للتغلب على هذه المخاطر بنفسه أو لتأكده من توافر وسائل حماية تكفل لأنظمة المعلومات المالية استمرارها، وبالتالي نجاحه في أداء العمل الرقابي الموكل إليه.

أضف تعليق

Filed under القانون الاقتصادي, الإدارة الإلكترونية, التجارة الالكترونية, الحكومة الإلكترونية, الحكامة, تعاريف قانونية

التجارة الالكترونية E-commerce ppt

التجارة الالكترونية E-commerce 

التجارة الالكترونية E-commerce
التجارة الالكترونية E-commerce 

___

أضف تعليق

Filed under فيديو قانوني, التجارة الالكترونية

الاوراق التجارية في القانون المغربي

 

 

مقدمة

تعتبر الأوراق التجارية من أهم ما ابتدعه الفكر البشري بعد النقود لتيسير التعامل بين الأشخاص على الصعيد الوطني و الدولي، .فقد لعبت دورا مهما في الحياة التجارية قديما وحديثا، لذلك أولتها مختلف التشريعات و المعاهدات عناية فائقة باعتبارها دولبا من دواليب الاقتصاد.
والأوراق التجارية تعرف تطورا مطردا و متزايدا سواء من حيث شكلها أو من مضمونها، وذلك لأنها أساس المعاملات المصرفية والمالية ، وبالرجوع إلى مدونة التجارة لسنة 1996 نجدها قد نظمت التعامل بالأوراق التجارية في الكتاب الثالث المواد من 159 إلى 328 من مدونة التجارة ، فهذه تطرقت إلى تعداد الأوراق التجارية في كل من الكمبيالة والشيك و السند لأمر ،إلا أنها لم تعرف المقصود بالأوراق التجارية وكتعريف لهذه الآخرة يمكن القول أنها سندات يتعامل بها بسهوله للوفاء في المعاملات التجارية عوض النقود دون أن تكون لها خصائص النقود .

 

X12-12_646-360-374-382[1]

ورغم ما يحققه التعامل بالأوراق التجارية من إيجابيات تتمثل أساسا في تكريس طابع السرعة والائتمان بالإضافة إلى حماية المتعاملين بها من مخاطر التعامل بالنقود فإن استعمال هذه الأوراق التجارية لا يخلو من مشاكل ومنازعات تتعلق أساسا بالشكليات والبيانات الأساسية التي يجب أن تتضمنها هذه السندات ،وكذا بالمنازعات المتعلقة بوفاء مقابلها .

فنظرا الأهمية الأوراق التجارية والدور الذي تلعبه في النسيج الاقتصادي فإن الأمر يستدعي تدخل القضاء كلما عرض عليه نزاع لحل الإشكالات الناجمة عن تداول هذه السندات التجارية
أما عن تدخل القضاء فقد يتعلق الأمر بالنزاع الذي قد ينشأ بين المتعاملين بالورقة التجارية والمتعلقة بتخلف شرط من شروط صحة الورقة التجارية أو باللجوء إلى القضاء قصد استصدار أمر قضائي باستخلاص قيمة الوراقة التجارية جبرا في حالة عدم إقدام المدين على وفاتها طواعية.

وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن أهم النزاعات التي يمكن أن تنشأ عن التعامل بهذه الأوراق التجارية ؟

للإجابة على هذا السؤال ارتأينا تقسيم الموضوع إلى مبحثين:

نتناول في المبحث الأول: المنازعات المرتبطة بالبيانات الإلزامية المتطلبة في الأوراق التجارية
ثم في المبحث الثاني مسطرة الأمر بالأداء كضمانة قانونية وضعها المشرع لاستخلاص قيمة الورقة التجارية.

المبحث الأول: المنازعات المرتبطة بالبيانات الإلزامية المتطلبة في الأوراق التجارية

تنص المادة 9 من مدونة التجارة على أنه:”يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و7:
-الكمبيالة؛-السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر، إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية.”من خلال المادة المذكورة أعلاه، فإن الكمبيالة تعد عملا تجاريا بحسب الشكل بغض النظر عن صفة الأطراف المعنية بأمر التوقيع على هذه الورقة التجارية، وعن الغرض الذي من أجله تعاملوا بها، ويتبين أيضا أن السند لأمر يعتبر عملا تجاريا بحسب شكله من دون أي قيد أو شرط آخر بالنسبة للطرف التاجر، وأنه لا يعتبر تجاريا بالنسبة للموقع عليه غير التاجر إلا إذا كان توقيع هذا الأخير على السند مترتبا على معاملة تجارية.

أما بالنسبة للشيك، فإنه لا يكون تجاريا إلا إذا تم سحبه، أو تظهيره من أجل التداول، أو التوقيع عليه من أجل الضمان الاحتياطي، من طرف تاجر لأغراضه التجارية[1]، لذلك فلا يصح إطلاق وصف الورقة التجارية إلا بالنسبة للأوراق المنظمة بمقتضى مدونة التجارة، وهو ما قررته محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في القرار الصادر عنها بتاريخ 01-12-98 والذي جاء فيه:” حيث إن الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من القانون المحدث للمحاكم التجارية يعطى لها الاختصاص فيما يخص الأوراق التجارية، والمقصود بها ما نظمته مدونة التجارة في الباب الثالث، إذ نصت على الأوراق التجارية وهي الكمبيالة والسند لأمر والشيك، ونظمت النصوص الواجبة التطبيق بشأنها، وبالتالي فإن الفواتير المتمسك بها لا تدخل ضمن نطاق الأوراق التجارية المذكورة أعلاه، مما يكون معه الدفع غير مرتكز على أساس، ويتعين رده”[2].

هذا وينبغي التأكيد على أن الاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية إذا تعدت قيمة الورقة التجارية 20.000 درهم، بموجب التعديل المدخل على قانون المحاكم التجارية، وبالتالي إذا قلت قيمة الورقة التجارية عن المبلغ المذكور، فالاختصاص يبقى للمحكمة الابتدائية ذات الولاية العامة.

إن المحكمة التجارية لا تكون مختصة نوعيا للبت في النزاع المتعلق بالأوراق التجارية، إلا إذا توفرت الشروط والبيانات الإلزامية والتي حددها المشرع في مدونة التجارة ليتم وصفها أوراقا تجارية[3] .

لذلك، ومن أجل التفصيل في موضوع البيانات الشكلية المتطلبة في الأوراق التجارية، سنقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب، نخصص الأول للمنازعات المرتبطة بشكليات الكمبيالة، ونتطرق في الثاني للمنازعات المرتبطة بالسند لأمر على أن نتحدث في المطلب الثالث للمنازعات المرتبطة بشكليات الشيك.المطلب الأول: المنازعات المرتبطة بشكليات الكمبيالة

تجدر الإشارة في البداية إلى أن الكمبيالة منظمة بمقتضى المواد من 159 إلى 333 من مدونة التجارة، وفيما البيانات الإلزامية الواجب توفرها في الكمبيالة، فإن المادة 159 من مدونة 159 من مدونة التجارة تنص على أنه:” تتضمن الكمبيالة البيانات التالية:
1-تسمية “كمبيالة” مدرجة في نص السند ذاته وباللغة المستعملة لتحرير؛
2-الأمر الناجز بأداء مبلغ معين؛
3-اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه)؛
4-تاريخ الاستحقاق؛
5-مكان الوفاء؛
6-اسم من يجب الوفاء له أو لأمره؛
7-تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة؛8-اسم وتوقيع من أصدر الكمبيالة (الساحب).”وهكذا، فبالرجوع إلى المادة أعلاه، نجد الشكليات والبيانات اللازم توفرها في الكمبيالة، فمجرد توافر الشكل المعين الذي حدده القانون يكفي في هذا الإطار لاعتبار الكمبيالة عملا تجاريا، بصرف النظر عن موضوع هذه الكمبيالة، أو الغرض منها، وبالتالي ينعقد الاختصاص للمحكمة التجارية للبت في المنازعات الناشئة عن عدم احترام الشكليات المتطلبة قانونا، وإذا ما تم احترام هذه الشكليات، فإن الكمبيالة تستمد قوتها التنفيذية من ذاتها بعيدة من السبب الذي أنشئت من أجله، وهذا ما أكده قرار صادر عن المجلس الأعلى[4]، كما أن الكمبيالة المستوفية للبيانات الإلزامية مثبتة للمديونية، ولا جدوى من ادعاء الوفاء بقيمتها إذا لم يدعم بحجج مقبولة[5]، وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى أنه:” ينشأ الالتزام الصرفي بمجرد التوقيع على الكمبيالة المستجمعة لكافة شروطها الشكلية، ولايجوز للمسحوب عليه أن يحتمي بعدم وجود مقابل الوفاء عند الاستحقاق مادام قد وقع عليها بالقبول”[6].
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن إثارة شكليات الكمبيالة، أمام المحكمة التجارية، أو محكمة الاستئناف التجارية، إلا أنه لا يمكن إثارة الدفع بعدم احترام شكليات الكمبيالة لأول مرة أمام المجلس الأعلى، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي، حيث اعتبر أن إثارة شكليات الكمبيالة أمام المجلس الأعلى لأول مرة غير مقبول[7].

وبالنسبة لتقادم الدعاوى الناتجة عن الكمبيالة ضد القابل، فإنها تتقادم بمضي 3 سنوات، ابتداء من تاريخ الاستحقاق تطبيقا للفقرة الأولى من المادة 228، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء[8]، حيث ورد فيه أن الكمبيالة تتقادم بمرور 3 سنوات من تاريخ الاستحقاق. بعد أن تطرقنا في المطلب الأول للمنازعات المرتيطة بشكليات الكمبيالة، سننتقل للتطرق في المطلب الثاني للمنازعات المرتيطة بشكليات السند لأمر.

 

المطلب الثاني: المنازعات المرتبطة بشكليات السند لأمر

 

تجدرالإشارة في البداية إلى أن السند لأمر منظم بمقتضى المواد من 232 إلى 238 من مدونة التجارة، وبالنسبة للبيانات الإلزامية الواجب توفرها في السند لأمر، فتنص المادة 232 من مدونة التجارة على أنه:

“يتضمن السند لأمر البيانات الآتية:
أولا: اشتراط الوفاء لأمر أو تسمية السند بأنه لأمر مدرجا في السند ذاته، ومعبرا عنه بللغة المستعملة لتحريره؛
ثانيا: الوعد الناجز بأداء مبلغ معين؛
ثالثا: تاريخ الاستحقاق؛
رابعا: مكان الوفاء؛
خامسا: اسم من يجب الوفاء له أو لأمره؛
سادسا: تاريخ ومكان توقيع السند؛
سابعا: اسم وتوقيع من صدر عنه السند (المتعهد).”فالسند لأمر لا يعتبر عملا تجاريا بحسب شكله، إلا إذا توفر فيه شرطان:

الشرط الأول يتمثل في ضرورة تضمين السند البيانات الإلزامية المحددة في المادة 232 المذكورة أعلاه.
والشرط الثاني يستوجب أن يترتب توقيع السند لأمر على معاملة تجارية إذا كان من قام بالتوقيع عليه غير تاجر[9]، فالاختصاص ينعقد للمحكمة التجارية للنظر في المنازعات الناتجة عن هذا النوع من الأوراق التجارية، ويتوقف ذلك على توفر الشرطين المذكورين حتى تبت المحكمة التجارية في منازعة أثيرت أمامها تتعلق بشكليات السند لأمر، وفي حالة تخلف هذا الشرط الثاني، فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الابتدائية، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[10]، حيث ورد فيه:
” وحيث إنه بخصوص الدفع المتعلق بأن سحب السند لأمر يعتبر عملا تجاريا، وكذا المعاملة القائمة بين الطرفين تطبيقا للفصل 9 من مدونة التجارة، فإنه دفع مردود، لأن الورقة العادية المدلى بها تدعيما للدين لا يمكن إطلاق اسم سند لأمر عليها لعدم توفر الشروط القانونية والبيانات المتطلبة في الفصل 232 من مدونة التجارة، هذا فضلا على أنه إذا كانت المستئنفة تاجرة لأنها شركة مساهمة وذلك طبقا للفصل 1 من قانون رقم 95/17 فإن المستأنف عليه مجرد عامل كما هو ثابت من العقد المدلى به، و لا يوجد بالملف ما يفيد أنه وقع على الوثيقة المدلى بها كسند لأمر لغرض تجاري.
وحيث إنه إذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية تنص على أنه يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر، فإنه وبمفهوم المخالفة لا يمكن مقاضاة غير التاجر أمام المحكمة التجارية إلا بوجود اتفاق”.هذا ويمكن من طبيعة الحال للمحكمة إثارة عدم الاختصاص النوعي لتعلقه بالنظام العام[11] .

ومن طبيعة الحال، فالسند لأمر المستوفي للبيانات المنصوص عليها في المادة 232 من مدونة التجارة، والموقع عليه بالقبول من طرف المدعى عليه يجعل هذا الأخير ملزما التزاما صرفيا بأداء قيمته، وهذا ما أقره حكم صادر عن المحكمة التجارية بوجدة[12]، وقد صدر عن نفس المحكمة حكما ورد فيه: “المحاكم التجارية تختص للبت في الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية بغض النظر عن صفة موقعيها وطبيعة الأعمال المسحوبة”[13].

وتجدر الإشارة أخيرا أنه بالنسبة للسند الذي يفقد خصوصيته كورقة تجارية لتقادمه، يصبح سندا عاديا مثبتا للدين، وهذا ما أكده قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[14]. بعد أن تطرقنا للمنازعات المرتبطة بكل من الكمبيالة والشيك، سننتقل للتطرق في المطلب الثالث للمنازعات المرتبطة بالشيك.

المطلب الثالث: المنازعات المرتبطة يشكليات الشيك

 

لم ينص المشرع المغربي على اعتبار الشيك عملا تجاريا على غرار كل من الكمبيالة والسند لأمر، ذلك أن المادة 9 من مدونة التجارة لا تشير إلا لهاتين الورقتين، لذلك فالشيك يعتبر عملا مدنيا في الأصل، بحيث إنه لا يأخذ الوصف التجاري إلا في إطار الأعمال التجارية بالتبعية[15].
وتجدر الإشارة إلى أن مدونة التجارة نظمت الشيك بمقتضى المواد من 239 إلى 328، وفيما يخص الشكليات اللازم توفرها في الشيك، فتنص المادة 239 من مدونة التجارة علىأنه:”يتضمن الشيك البيانات التالية:

أولا: تسمية شيك مدرجة في السند ذاته وباللغة المستعملة لتحريره؛
ثانيا: الأمر الناجز بأداء مبلغ معين؛
ثالثا: اسم المسحوب عليه؛
رابعا: مكان الوفاء؛
خامسا: تاريخ ومكان إنشاء الشيك؛
سادسا: اسم وتوقيع الساحب.”فإذا ما تم احترام البيانات الإلزامية المذكورة أعلاه، استمد الشيك قوته التنفيذية بعيدا عن سببه، وهذا ما أكده العمل القضائي المغربي، حيث ورد في قرار صادر عن المجلس الأعلى أن:” لما كان الشيك الحامل لجميع البيانات الإلزامية يعتبر وظيفيا أداة صرف ووفاء فهو يستحق الأداء بمجرد الإطلاع عليه، وأنه كسائر الأوراق التجارية الأخرى يتميز بخاصية التجريدأي أنه يتداول بعيدا عن سببه.
ولذلك فإن حامله يعتبر دائنا لساحبه بالمبلغ المقيد به دون أن يكون ملوما بأن يبين السبب الذي تسلم من أجله الشيك الذي أرجع إليه بدون رصيد”[16].

وعلى العموم فإن البيانات المنصوص عليها في المادة 239 من مدونة التجارة، تعتبر بيانات إلزامية، وقد اعتبرت المحكمة التجارية بمراكش أن:
“عم تقديم الشيك للاستخلاص لدى المسحوب عليه يجعل دعوى المطالبة بقيمة الشيك غير مقبولة شكلا”[17]. لكن الإشكال المطروح: هو ما حكم الشيك المخالف للنماذج المسلمة من المؤسسات البنكية أو الذي ينقصه أحد البيانات الإلزامية؟ إنه في هذه الحالة يفقد صبغته كورقة تجارية، ويعتبر سندا عاديا لإثبات الدين إذا توفرت شروط هذا السند، وفي هذه الحالة، يخرج من اختصاص المحاكم التجاربة ويصبح من اختصاص المحاكم العادية[18] .
وينبغي التأكيد أنه إذا توفرت في الشيك الشروط المتطلبة قانونا، يكون البنك المسحوب عليه ملزما بأداء قيمته المحررة بالأحرف عند الاختلاف مع الأرقام، ويتحمل البنك المسحوب عليه مسؤولية عدم الأداء، وهذا ما أكده حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط[19].

وبالإضافة إلى كل ما ذكر، فإنه في حالة المنازعة بقيمة ورقة تجارية فإنه يتعين الإدلاء بالأصل، وعند تعذر ذلك، يتعين اللجوء إلى رئيس المحكمة، وهذا ما أقره حكم صادر عن المحكمة التجارية بالرباط[20]، حيث ورد فيه:
“المطالبة بقيمة الورقة التجارية تستلزم الإدلاء بالأصل، وعند تعذره يتعين اللجوء إلى رئيس المحكمة للحصول على نظير”.بعد أن تطرقنا في المبحث الأول للمنازعات المتعلقة بالبيانات الإلزامية المرتيطة بالأوراق التجارية، سننتقل للتطرق في المبحث الثاني إلى مسطرة الأمر بالأداء باعتبارها وسيلة قانونية للوفاء بقيمة الورقة التجارية.

 

المبحث الثاني مسطرة الأمر بالأداء ضمانة قانونية للوفاء بقيمة الورقة التجارية

 

الأصل أن الأوراق التجارية تلعب دورا أساسيا في المعاملات الاقتصادية إلا أنه سرعان ما تنتهي دورة التعامل بهذه الأوراق وذلك بالحصول على مقابلها أي الوفاء بقيمة الورقة التجارية .
وإذا كان الأصل أن يكون الوفاء طواعية، بما أنه يشكل دينا في ذمة الساحب أو المتعهد فإنه قد يحدث أن يتعنت هذا الأخير في الوفاء الأمر الذي دفع المشرع إلى التدخل وإعطاء الحق في اللجوء على المسطرة القضائية للحصول على مقابل الورقة التجارية عبر سلوك مسطرة الأمر بالأداء [21] .
والأمر بالأداء هو وسيلة تمنح لحائز الورقة التجارية أن يستص

در اعتمادا عليها وفي غيبة خصمه أمرا قضائيا باستيفائها [22]، والغرض الأساسي من هذه المسطرة هو تمكين الدائن من سند تنفيذي لاستيفاء دينه الذي هو عبارة عن مبلغ مالي في أقصر وقت وبأقل التكاليف [23] ، وكي يتم تحقيق هذه الأهداف التي تعتبر من أهم ركائز المعاملات التجارية ، فقد أعاد المشرع المغربي تنظيم مسطرة الأمر بالأداء بمقتضى القانون المحدث بموجبه المحاكم التجارية [24]، فما هي إذن أهم مميزات هذه المسطرة أمام المحاكم التجارية .

فبالرجوع إلى مدونة التجارة السالفة الذكر نجدها قد نظمت هذه المسطرة بمقتضى مادة وحيدة وهي المادة 22 التي تنص على أنه: يختص رئيس المحكمة التجارية بالنظر في مقالات الأمر بالأداء المبنية على الأوراق التجارية، والسندات الرسمية تطبيقا لأحكام الباب الثالث من القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية، في هذه الحالة وخلافا لمقتضيات الفصلين 161-162 من قانون المسطرة المدنية لا يوقف أجل الاستئناف والاستئناف نفسه تنفيذ الأمر بالأداء الصادر عن رئيس المحكمة ، غير أنه يمكن لمحكمة الاستئناف التجارية أن توقف التنفيذ جزئيا أو كليا بقرار معلل .

فالمادة أعلاه تفيد أن الاختصاص ينعقد لرئيس المحكمة التجارية للبت في تأدية مبالغ مالية وذلك كلما تجاوز المبلغ 1000 درهم مستحق الأداء بموجب ورقة تجارية أو سند رسمي ، والملاحظ أن المشرع باستثناء الفقرة الثانية من المادة 22 من مدونة التجارة التي نصت على أن أجل الاستئناف أو الاستئناف لا يوقف تنفيذ الأمر القاضي بالأداء والذي تقتضيه طبيعة المعاملة التجارية ، فالمادة 22 أحالت على الأحكام لعامة الواردة في قانون المسطرة المدنية ن ومن خلال استقراء الفصول الواردة في الباب الثالث من القسم الرابع من ق م م ، و كذا المادة 22 من المدونة التجارية باعتبارها النص الخاص الوحيد الذي نظم مسطرة الأمر بالأداء أمام رئيس المحكمة التجارية .
وهكذا سنتطرق لشروط الأمر بالأداء المرفوع إلى رئيس المحكمة التجارية ( المطلب الأول ) سواء ما تعلق بالشروط الشكلية ( الفقرة الأولى ) أو الموضوعية ( الفقرة الثانية ) على أن نتطرق في ( المطلب الثاني ) لإشكالية إلزامية محضر الاحتجاج بعدم الوفاء ومدى اعتباره شرطا أساسيا لقبول مقال الأمر بالأداء وفي هذا الصدد اختلفت اتجاهات محاكم المملكة بين القول بإلزامية هذا المحضر لقبول مقال الأمر بالأداء ( الفقرة الأولى ) وبين لاتجاه القائل بعدم إلزاميته ( الفقرة الثانية ).

 

المطلب الأول: شروط استصدار الأمر بالأداء

إن إصدار رئيس المحكمة التجارية لأمره بأداء المبلغ المالي المستند على ورقة تجارية يتوقف على شروط موضوعية تتعلق أساسا بالدين المطالب به وبشخص المدين (الفقرة الثانية ) وشروط شكلية تخضع في المبدأ للقواعد العامة في التقاضي( الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الشروط الشكلية

 

قبل التطرق للشروط الشكلية لقبول طلب الأمر لابد من التطرق للمؤسسة المختصة بالنظر في هذه الطلبات، فاستنادا إلى المادة 22 من القانون رقم 53-95 يتضح أن رئيس المحكمة التجارية يختص بالنظر في طلبات الأمر بالأداء كلما كان المبلغ المطالب به أزيد من 1000 درهم ومثبت في ورقة تجارية ، إلا أنه وما دامت المادة 22 السالفة الذكر قد أحالت على ق م م بخصوص الأحكام العامة لمسطرة الأمر بالأداء ، فإنه بالرجوع إلى العمل القضائي نلاحظ أن المجلس الأعلى قد استقر على قبول طلبات الأمر بالأداء ممن يعينه رئيس المحكمة ، حيث اتجه في قرار عدد 1017 إلى أن : نائب رئيس المحكمة يحل محله في ممارسة السلطة المخولة له بمقتضى الفصل 158 من ق م م إذا مارس النائب هذه المهام بمقتضى تفويض من رئيسه [25]. ونعتقد أن هذه الإمكانية هي جديرة بالتأييد خاصة أمام كثرة مهام رئيس المحكمة التجارية من جهة، وكثرة إقدام الدائنين على هذه المسطرة مما جعلها من أكثر المساطر تطبيقا أمام المحاكم التجارية إذ تشكل ما يفوق ربع القضايا المسجلة بهذه المحاكم [26]، حيث يمكن القول حسب رأي أستاذنا محمد المجد وبي الإدريسي بأن نجاح المحاكم التجارية مستمد بشكل كبير من هذه المساطر[27] .

وطلب الأمر بالأداء باعتباره يقوم مقام مقال رفع الدعوى، فإنه يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط والشكليات التي يترتب على عدم احترامها لحكم بعدم قبول الطلب وهذه الشروط هي:

أ : أن يرفق الطلب بالسند المنبث للدين الذي يجب أن يكون سليما ومس توفيا لكل الشكليات الضرورية ، وهذا الشرط كرسته مجموعة من الاجتهادات القضائية على سبيل المثال حكم المحكمة التجارية بالرباط والذي جاء فيه : إنه بخصوص الأداء في مادة الأوراق التجارية فإن المشرع نظم مقتضياتها بطرق خاصة تستلزم الإدلاء بالأصل ، وعند تعرضه للضياع أو السرقة فإن المشرع نظم مسطرة خاصة منصوص عليها في الفصل 191 م ت للحصول على نظير ثان أو ثالث أو رابع من أمر لرئيس المحكمة وبعد تقديم كفالة وهو ما لم يتم في هذه النازلة [28]. ولذلك صرحت المحكمة بعدم قبول طلب الأمر بالأداء لوجود إخلال شكلي جوهري يتمثل في عدم إرفاق طلب الأمر بالأداء بالسند المتبث للدين، وبالإضافة إلى ضرورة مقال الأمر بالأداء بسند الدين المتبث لصحته والذي تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 156 من ق م م ن فهناك بعض المستندات الإضافية عير سند الدين، كما هو الحال عند تقديم المقال من طرف الوكيل إذ عليه الإدلاء بالوكالة، كما أنه في حالة تعدد المدينين فيجب على الدائن أن يرفق مقال الأمر بالأداء بعدد كاف ومساو لعدد المدينين ، فرغم أن المسطرة غير تواجهية إلا أن هذه النسخ تحتاجها كتابة الضبط لتبليغ الأمر بالأداء عند صدوره .

أما بخصوص وثيقة تبليغ الأمر بالأداء ومدى إلزامية إرفاق وثيقة التبليغ بالإضافة إلى نسخة من مقال الأمر بالأداء بسند الدين، فنلاحظ أن العمل القضائي لم ينحو نفس المنحى ، فهناك من الاجتهادات من سارت على عدم إلزامية إرفاق وثيقة التبليغ بسند الدين موضوع الأمر بالأداء وفي هذا المنحى قضى المجلس الأعلى في إحدى قراراته بأنه : ليس من المنطقي أن يبلغ مع الأمر بالأداء سند الدين لما في ذلك من إمكانية تعرضه للضياع وليس في المادة 161 من ق م م ما يوجب ذلك ، بل يكفي أن يتضمن التبليغ إلى جانب ملخص المقال مجرد التعريف بند الدين ، وإذا كان هذا الرأي قد اتجه إلى عدم إلزامية إرفاق التبليغ بسند الدين فإن هناك اتجاها آخر قد اتجه اتجاها معاكسا ، وهو قرار المجلس الأعلى الذي نص : على أن الأمر بالأداء يجب أن يبلغ مع نسخة من سند الدين وإلى كان باطلا وللمستأنف أن يتمسك ببطلانه ويعتبر كأن لم يكن [29]،ونعتقد أن هذا الاجتهاد مصادف للصواب فرغم أن المادة 161 من ق م م تنص على أن : وثيقة التبليغ يجب أن تشمل على نسخة من المقال وسند الدين ….. إلا أن هذا المقتضى من شأنه أن يعرض سند الدين للضياع باعتبار هذا السند قد يكون هو الحجة الوحيدة على وجود الدين محل الأمر بالأداء، وضمانا لحق المبلغ إليه في معرفة سبب نشوء هذا الدين المطالب بأدائه، فإن تبليغه بنسخة من هذا السند المنشئ للدين يكفي في التبليغ و إعلامه.

ب: أن يرفع الطلب بمقال مكتوب موقع عليه من طرف محام طبقا للمادة 13 من قانون المحاكم التجارية، ويتضمن الاسم العائلي والشخصي ومهنة وموطن الأطراف مع البيان الدقيق للمبلغ المطلوب، وقد ثار نقاش كبير حول وجوب الاستعانة بمحام لتقديم مقالات الأمر بالأداء ، فهناك اتجاه لا يرى بهذا الإلزام لمجموعة من الأسباب أهمها كون طلب الأمر بالأداء لا تتصور فيها المسطرة الكتابية التي تقتضي تبادل المذكرات بل هي تمارس في غيبة الخصم وبدون مرافعته ، إلا أنه بالرجوع إلى المادة 31 من قانون المحاماة لسنة [30]1993 والمادة 13 من القانون المحدث للمحاكم التجارية وكذا الشكل المتطلب في رفع طلب الأمر بالأداء والذي هو ( مقال ) وكذا إلى النماذج التي تعدها وزارة العدل لرفع هذه الطلبات ، يتضح أن طلب الأمر بالأداء يقتضي بالضرورة الاستعانة بالمحامي وهذا هو الاتجاه الذي حضي بتأييدنا لأسباب المستند عليها
ج: أن يكون للمدين موطن معروف بتراب المملكة، ولا يقبل الطلب إذا كان من الواجب تبليغه بالخارج وذلك طبقا للفصل 157 من ق م م
د: إذا كان مقال الأمر بالأداء يرمي إلى التصريح بمديونية الدولة فإنه يتعين إدخال العون القضائي للمملكة، وذلك طبقا للفصل 514 من ق م م، وهذا المقتضى إجراء شكلي جوهري يترتب عن عدم احترامه عدم قبول المقال.
هده الشروط تتعلق بشكليات قبول طلب الأمر بالأداء، فمادا عن الشروط اللازمة للحكم وفق الطلب ؟

 

الفقرة الثانية:الشروط الموضوعية

وجدير بالذكر أنه إذا كان الإخلال بأحد الشروط الشكلية يترب عليه دائما عدم قبول الطلب ، فان الحكم في حالة الإخلال بأحد الشروط الموضوعية يختلف حسب نوع هدا الشرط الموضوعي.
و الشروط الموضوعية اللازمة للحكم وفق طلب الأمر بالأداء هي كما يلي :

أولا: أن تتعلق المنازعة بورقة تجارية :

فادا كانت النزاعات المتعلقة بالكمبيالة والسند لأمر لا تثير أي إشكال فيما يخص اختصاص المحاكم التجارية بتطبيق مسطرة الأمر بالأداء [31]، فان الشيك يثير إشكالا كبيرا خاصة أمام غياب موقف تشريعي صريح بشأنه [32]، إلا أنه بالرجوع إلى اتجاهات القضاء في هدا الصدد نجد أن المحاكم التجارية سارت على قبول مسطرة الأمر بالأداء في جميع الحالات التي يكون فيها سند الدين ورقة التجارية ، سواء كانت كمبيالة أو شيكا أو سندا لأمر، وسواء كان المتعامل بها تاجرا أو غير تاجر وفي هدا الصدد اعتبرت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش أن: الشيك يعتبر ورقة تجارية وأن اختصاص قاضي الأمر بالأداء بالبت يستند لمجرد وجود هده الورقة التجارية وليس بسبب القيام بعمل تجاري[33]، ورغم ما يحققه هدا الاتجاه من مميزات أهمها توحيد الاختصاص القضائي بشأن استيفاء الأوراق التجارية، فانه لما كان القضاء التجاري يتميز بمجموعة من المميزات و الايجابيات التي وضعت أساسا لحماية فئة معنية من المتعاملين والدين هم التجار ، فانه يتعين على المحاكم التجارية التدقيق في المعاملات التي تتم اعتمادا على الشيك، وعدم البت في هذه الأوامر إلا ادا كان الشيك المثبت للدين قد تم التوقيع عليه من طرف تاجر أو في إطار نظرية التبعية.
ثانيا ثبوت الدين
أي عدم المنازعة في الدين موضوع المطالبة ، وفي هدا الصدد استقر المجلس الأعلى على رفض طلب الأمر بالأداء كلما تبين لقاضي الأمر بالأداء أن الدين منازع فيه، حيث ذهب [34]إلى أنه بمقتضى الفصل 158 من ق.م.م. فإنه إذا اتضح للمحكمة أن الدين منازع فيه رفضت الطلب وأحالت الأطراف على المحكمة المختصة فيه تبعا للإجراءات العادية، أما بخصوص النزاع في مقابل الوفاء فيمكن أن يتخذ عدة صور، كما إذا تمت المطالبة بإجراء خبرة على الشيك سند الأمر بالأداء مثلا لادعاء التزوير، وهو ما يكون منازعة جدية تفقد قاضي الأمر بالأداء اختصاص البت في هذه الطلبات، وفي هذا الاتجاه اعتبر المجلس الأعلى أن : قاضي الأمر بالأداء يطبق مسطرة استثنائية لا يختص بالنظر فيها إلا إذا كان الدين ثابتا لا نزاع فيه، أما إذا كان سند الدين كمبيالة وكان مقابل الوفاء محل نزاع فحينئذ يرفع الأمر إلى قاضي الموضوع [35].
هناك شرط آخر يتعلق بكون موضوع الطلب مبلغا ماليا* ف 155 ق.م.م * وهدا الشرط لا يثير في الواقع العملي أي إشكال على اعتبار انه ما دامت اختصاصات المحاكم التجارية ترتبط أساسا بالمعاملات التجارية المالية فان طلبات الأمر بالأداء تتعلق أوتوماتيكيا بأداء مبالغ مالية، وفي هدا الصدد نلاحظ أن هذه المسطرة في التشريع المغربي تختلف عن نظيرتها في التشريع الفرنسي، فهذا الأخير عمد إلى إمداد مسطرة الأمر إلى الأمر بالقيام بعمل أو تسليم منقول بنوعه أو مقداره [36].
نفس الاتجاه سار عليه المجلس الأعلى أيضا في قرار آخر قضى فيه أن سند الدين الذي أصبح محل نزاع بين الطرفين يحول معه على المحكمة في نطاق مسطرة الأمر بالأداء أن تبت فيه وكان عليها أن تطبق الفصل 158 من ق.م.م. وحيث لم تفعل اعتبر معه قرارها ناقص التعليل الذي يوازي عدمه ويعرضن بالتالي للنقض [37].

ثالثا أن يتجاوز المبلغ المالي ألف درهم
ينص الفصل 155 من ق.م.م. المحال عليها بالمادة 22 من القانون المحدث للمحاكم التجارية على أن سلوك مسطرة الأمر بالأداء يجب أن يكون في طلب تأدية مبلغ مالي يتجاوز ألف درهم ، و تحديد اختصاص رئيس المحكمة التجارية في هدا المبلغ أمر بديهي ، حتى لا يتم التطاول على اختصاص محاكم الجماعات و المقاطعات، وجدير بالذكر أن أصل الدين وحده المعتمد في تحديد هدا الاختصاص.
أما الصوائر والمصاريف القضائية و أي مصاريف أخرى فإنها لا تدخل في احتساب الاختصاص النهائي وذلك تطبيقا للقاعدة المنصوص عليها في الفصل 11 من ق.م.م. الذي يحدد الاختصاص النهائي استنادا إلى الطلب المجرد.
رابعا أن يكون الدين المثبت في الورقة التجارية مستحقا
يجب أن يكون الدين الذي يطالب به الدائن مستحقا ، أي حال الأجل ولا يكون معلقا على شرط أو مرتبط بأجل، فالدائن في هذه الحالات لا يحق له إجبار المدين على الوفاء بهذا الدين إلا إذا تحقق الشرط أو حل الأجل أو وقع التنازع في الدين. إلا أنه قد يكون الدين مستحقا ومع ذلك لا يأمر رئيس المحكمة التجارية بالأداء و ذلك في حالة افتتاح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة في حق المدين ، حيث تتوقف أو تمنع المتابعات القضائية [38].

تلك إذن مجموعة الشروط الشكلية و الموضوعية لاستصدار الأمر بالأداء و التي يترتب عن عدم توافرها حسب الحالات إما عدم قبول الطلب- الشروط الشكلية- أو رفض الطلب – الشروط الموضوعية-.

 

المطلب الثاني : مدى إلزامية محضر الاحتجاج بعدم الدفع لقبول طلب الأمر بالأداء
لقد حرص المشرع المغربي على حماية التعامل بالأوراق التجارية ، وذلك لتحفيز اللجوء إلى اعتماد هذه التقنيات نظرا لما تحققه من إيجابيات في المعاملات التجارية ، إلا أنه بالرجوع إلى مدونة التجارة ، نلاحظ ان الشيك وحده ينفرد عن باقي الأوراق التجارية الأخرى بنظام زجري ، وذلك في المواد من 302 إلى 322 من مدونة التجارة ، ولكون موضوعنا يتعلق بالقضاء التجاري ، فإننا سوف نركز على بعض الإشكالات التي تنتج عن التعامل بالأوراق التجارية في ظل العمل القضائي التجاري ، ونخص بالذكر مدى إلزامية محضر الاحتجاج بعدم الدفع لقبول طلب الأمر بالأداء الذي يكون سنده ورقة تجارية ، وسيكون الاجتهاد القضائي موضوعنا في الدراسة (الفقرة الأولى ) لنخلص في النهاية إلى إبراز وجهة نظرنا في الموضوع ( الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى : تحديد اتجاهات القضاء في الموضوع
الاتجاه الأول :
هذا الاتجاه قد استلزم إرفاق طلب الأمر بالأداء بمحضر الاحتجاج بعدم الوفاء ، وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بفاس التي نصت : على أن اختيار سلوك مسطرة استصدار أمر بالأداء دون القيام بمسطرة الاحتجاج [39] بعدم الدفع المنصوص عليها في الفصلين 297 و 297من مدونة التجارة والتي وردت أحكامها على سبيل الوجوب تبقى معه الدعوى غير مسموعة[40] .

الاتجاه الثاني :لم يشترط هذا الاتجاه لقبول طلب الأمر بالأداء القيام بمحضر احتجاج بعدم الوفاء ، وفي هذا المنحى اتجهت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش إلى أن :الاحتجاج بعدم الدفع لا يكون إلزاميا إلا في حالة تظهير الورقة التجارية [41].

الفقرة الثانية : وجهة نظرنا في الموضوع

بعد التطرق لاختلاف توجهات العمل القضائي بخصوص إلزامية محضر الاحتجاج بعدم الوفاء ، نعتقد أن الاتجاه الثاني أقرب إلى الصواب ، وذلك لمجموعة من المبررات من بينها:
– إن قانون المسطرة المدنية باعتباره المحال عليه بمقتضى المادة 22 من القانون المحدث للمحاكم التجارية لم يشترط بمقتضى فصوله على إلزامية هذا المحضر لقبول مقال الأمر بالأداء .
– عدم وجود شرط الاحتجاج بعدم الوفاء في المقتضيات الخاصة التي تحكم مسطرة الأمر بالأداء أمام المحاكم التجارية .

-أن حلول أجل الوفاء بقيمة الورقة التجارية ، يعتبر بمثابة إعدار بالوفاء ، وهد يرتب عدم إلزامية القيام بمحضر احتجاج بعدم الوفاء لجعل المدين في حالة مطل

 

 

_منقول للفائدة العامة

________________________________
ملاحظـــــــــــة
ليصلك جديد المحاضرات والمواضيع /  قم بالتسجيل في
القائمة البريدية من هنـــا

أضف تعليق

Filed under قانون تجاري, القانون المغربي, التجارة الالكترونية, الدين والحياة, تعاريف قانونية

الاثبات في العقد الالكتروني في التشريع المغربي -الجزء الثاني-

المبحث الثاني: تطور التشريعي المغربي نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة
في مجال إثبات العقود


_________

متوفر أيضاا: 

و
ليصلك جديد مواضيع المدونة/  قم بالتسجيل في القائمة البريدية من هنـــا
___________________


إن التشريع المغربي وعلى غرار غيره من التشريعات المقارنة، لم يقف موقفا سلبيا من التطورات التي عرفتها نظم الإثبات، في ظل ثورة المعلومات وشيوع التقنيات الحديثة، والذي ساعد على ذلك هو تشبه لنظام الإثبات المختلط الذي يعطي للقاضي حرية التقدير بالنسبة للأدلة التي لم يجد لها القانون حجية معينة فهذه المرونة تضمن حسن سير العدالة وتوفر للمعاملات نوعا من الاستقرار، وتفسح المجال مبدئيا أمام إمكانية الأخذ بمستجدات التقنيات الحديثة في إثبات العقود لا سيما العقود الالكترونية.

والواقع أنه باستقراء بعض القوانين الخاصة نجد المشرعالمغربيقد كان على قدر من الجرأة من خلال اعتماده على التقنيات الحديثة في الإثبات وإن كانت هذه المبادرة قد تصطدم أحيانا ببعض الأسس والمبادئ التي تفرضها قواعد الإثبات التقليدية المنظمة في قانون الالتزامات والعقود في الوقت الذي نجد فيه تشريعات أخرى وعلى رأسها القانون الفرنسي قد تثبت قواعد مضبوطة لإثبات العقد.

فنبحث أولا موقفالتشريعالمغربيوالتشريعات المقارنة من التقنيات الحديثة في مجال إثباتالعقدالالكتروني(المطلب الأول)، قبل أن نستخلص حدود استيعاب القواعد العامة، لإثبات العقود الالكترونية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: موقفالتشريع المغربي والتشريعات المقارنة من التقنيات في مجال إثبات العقدالالكتروني

الفقرة الأولى: موقف التشريعات المقارنة

أولا:التشريع الفرنسي

استجابة منه لمتطلبات التعامل بوسائل الاتصال الحديثة تدخل المشرع الفرنسي بموجب القانون 80/525 المدني خاصة الجانب المتعلق بوسائل إثبات الوسائل القانونية فتبنى مفهوما جديدا للصورة من جهة، واعتبر المحررات الالكترونية دليلا كتابيا من جهة ثانية.
ولقد اعتبر ذلك بمثابة ارتقاء تشريعي بقواعد الأدلة الالكترونية إلى مستوى القواعد العامة، مع وجود استثناءات، وإذا كان القانون الفرنسي قد أقام التكافؤ بين المحررات الالكترونية والمحررات الورقية فإنه في المقابل تدخل ليضع حدودا وشروطا لهذا الاعتراف، فبمقتضى المادة 1316/1 اشترط أن تكون الرموز أو الأرقام أو العلامات على وضع يسمح بقراءتها، بمعنى أن تكون مكونات الكتابة ذات دلالة تعبرية مفهومة، كما اشترط كذلك لزوج ارتباط المحرر بتوقيعالالكترونياستوفى الشروط التي تجعله مؤديا لوظائف الترقيع بصفة عامة، وعلى نحو يمكن من الكشف على أي تلاعب في الكتابة، هذا وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفرنسي قد قيد قبول الدليل الكتابيالالكترونيفي الإثبات يفيد بينهما: تحديد سلامتها.1
أما بالنسبة لصورة فقد أخضع المشرع الفرنسي عن منحها حجية في الإثبات متى توافر على شرطين أساسيين هما:

+التطابق: ومعناه أن تأتي الصورة مطابقة للأصل مطابقة تامة، بمعنى أن تكون المطابقة في الشكل والمضمون.

+الـدوام: من خلال التعريف الوارد في الفقرة 2 من المادة 1348 من التقنين الفرنسي، يتضح أن المقصود بالدوام، الإثبات، وعدم القابلية لزوال، وعدم صلاحية الدعمات المستخدمة لإعادة استخدامها مرة أخرى.

وهكذا فمتى استوفت الصورة هذين الشرطين إلا واعتبرت ذات حجية في الإثبات إذا كان الأصل غير موجود، مع العلم أن هذه الحجية تبقى خاضعة لسلطة التقديرية للقاضي دون الرقابة عليه من محكمة النقض فإن شاء أخذ بها وإن شاء طرحها جانبا.2

ثانيا: موقف المشرع المصري

في ظل القانون الحالي أبى المشرع المصري إلا أن يمنح لوسائل الاتصال الحديثة حجية قانونية في الإثبات، فمعلوم أن القانون المصري يتطلب الكتابة في إثبات بعض التصرفات القانونية.

بيد أنه في نطاق هذه التصرفات القانونية أورد بعض الاستثناءات التي لا يلزم فيها وجود الدليل الكتابي الكامل، ثم أن المشرع المصري أخذ بمبدأ الإثبات الحرفي مواجهة التجار في المادة التجارية، وسمح للأطراف باستبعاد نظام الإثبات والاتفاق عل تنظيم حجية المستندات والوثائق التي يتعاملون بها، فقواعد الإثبات قواعد مكملة وليس آمرة، ومن تم يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامها. ثم إن المشرع قد أجاز بنص صريح الإثبات بكافة الطرق والوسائل ما دام هناك مانع يتعذر معه إعمال الدليل الكتابي أيا كان نوع هذا المانع.

ويدخل في ذلك المانع بحكم عادة فمتى اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دون الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة يستسيغ الأخذ بهذه الوسائل حجة في الإثبات.
والمانع سيان أكان مانعا ماديا ناشئا من الظروف الجارحية لإبرام التصرف والتي تمنع ماديا من الحصول على دليل كتابي أو مانعا أدبيا ناشئا عن اعتبارات معنوية دون المطالبة بالكتابة، قلنا تحقق المانع بنوعيه يسعف الأخذ بوسائل الاتصال الحديثة في الإثبات كالحاسب مثلا خصوصا النسخة الالكترونية ومصفرات الفيلمية وموقع الويب وهي الصفحة التي تظهر على شاشة الحاسب الالكتروني.

الفقرة الثانية: قبول بعض القوانين المغربية الخاصة للتقنيات الحديثة

في خضم التطور الحادث في مجالات الاتصالات الالكترونية، مع ما صاحب ذلك من تغيرات جذرية على الطرق التي أصبحت تتم بها المعاملات التجارية. عرفالتشريعالمغربيبروز مجموعة من النصوص التي تجيز اعتماد بعض التقنيات الحديثة في الاثبات، وإن كان الأمر يحتاج إلى تدخل فعلي عبر قانون ينظم التجارة الالكترونية بشكل عام، والإثبات في المعاملات الالكترونية بشكل خاص، وسنحاول من خلال هذه الفقرة الوقوف قدر الإمكان عند بعض التطبيقات المتناثرة في بعض النصوص والقوانين الخاصة، محاولين استجلاء موقفالتشريعالمغربيمن التقنيات الحديثة ومدى حجيتها في الإثبات، ومن بين هذه القوانين نجد:

أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها

ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة

ثالثا: مدونة الشغل الجديدة

رابعا: قوانين خاصة أخرى

أولا: القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها

باستقراء القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها، نستشف أن من بين المهام المسندة لمؤسسة الائتمان كما أشارت إلى ذلك المادة الأولى وضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء والقيام بإداراتها، من دون أن تحدد هذه المادة ما إذا كانت هذه الوسائل تقليدية أو آلية حديثة، وهو الأمر الذي تجاوزته المادة 4 من نفس القانون أكدت صراحة بأن: ” وسائل الدفع هي جميع الوسائل التي تمكن أي شخص من تحويل الأموال حينما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك”.
فهذه المادة جاءت على صيغة العموم دون تحديد أكانت هذه الوسائل شيكا أو كمبيالة أو سند لأمر أو إذ ناب بالتحويل أو فاكسا أو بطاقة ائتمان أو وفاء أو وثيقة معلوماتية أو بيانات الكترونية، ولعل في ذلك أخذ صريح لمستجدات التقنيات الحديثة والأكثر من ذلك المادة 106 من نفس القانون اعترفت صراحة بالحجية القانونية لكشوف الحسابات والتي نعلم أنهتا أحد مستخرجات التقنيات الحديثة1، وهو ما كرسه العمل القضائي في أحد قراراته حينما اعتبر الكشوف الحسابية البنكية لها حجيتها رغم إنكار.2
ولأجل ذلك قيل بأن القانون المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان مراقبتها، قانون رائد وإطارا قانونيا وتجريبيا لمدى نجاعة وسائل الإثبات الحديثة، خاصة وأنه يمس شريعة عريضة وحساسة من المجتمع.

ثانيا: قانون حرية الأسعار والمنافسة3
جاء القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بأحكام لا غنى عنها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان رفاهية المستهلك، وتتجسد هذه الأحكام في تنظيم حرية الأسعار من جهة وتنظيم المنافسة الحرة من جهة ثانية. والهدف بطبيعة الحال هو ضمان الشفافية والنزاهة في العلاقات التجارية.
ومن الأمور التي تحسب لهذا القانون الجديد حرصه على التلائم مع مستجدات التقنيات الحديثة، وهو ما نلمسه من قراءة بعض مواده.
وهكذا فقد جاء في المادة 47: ” يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقوم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو ملصق أو إعلان أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أو لا تجاز خدمة”.
فإعلام المستهلك بأسعار المنتوجات والخدمات وغيرها كما جاء في صريح المادة يمكن أن يتم بأي طريقة أخرى مناسبة، والتي قد تكون فاكس أو إنترنيت وغيرها من التقنيات الحديثة.
كما جاء فقي المادة 48 على أنه: ” يجب على من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يسلم فاتورة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى يقوم مقامها على كل مستهلك بطلب ذلك” فالفاتورة قد تقوم مقامها أي وثيقة أخرى، حتى ولو كانت أحد مستخرجات التقنيات الحديثة.4
فالواضح إذن أن الصياغة العامة لهذه النصوص، تمنح لمستجدات التقنيات الحديثة إمكانية المساهمة في حماية المستهلك من جهة، وإضفاء الشفافية على العلاقات التجارية بين المهنيين من جهة أخرى. خاصة وأنها تمكن هؤلاء الأطراف من مجموعة من الوسائل التقنية التي تسهل عملية التعامل فيما بينهم.

ثالثا: مدونة الشغل الجديدة

من خصوصيات القانون الاجتماعي أنه لم يكتف بالقواعد العامة في الإثبات الواردة في ق.ل.ع فهكذا ومراعاة منه للمراكز الاقتصادي الضعيف للأجير في مواجهة المشغل فإنه حرص على تنظيم إثبات الأجر بمقتضى وسائل خاصة تسير عمل القضاء وتتمثل هذا الوسائل في ثلاثة وهي: ورقة الأداء، دفتر الأداء، وتوصيل تصفية كل حساب.
والملاحظ أن المشرعالمغربيفي المدونة الجديدة للشغل، اعتبر بعض التقنيات الحديثة وسائل الإثبات واقعة أداء الأجر، فقد جاء في المادة 372: ” يمكن بطلب من المشغل الاستعاضة عن دفتر الأداء، باعتماد أساليب المحاسبة الميكانوغرافية أو المعلوماتية أو أية وسيلة أخرى بين وسائل المراقبة التي يراها العون المكلف بتفتيش الشغل كفيلة بأن تقوم ذلك الدفتر”.
ثمن هنا، يجب على المشغل أن يحتفظ بمستندات المحاسبة الميكانوغرافية والمعلوماتية أو بوسائل المراقبة الأخرى التي تقوم مقام دفتر الأداء هذه لا تقل عن سنتين من تاريخ اعتماد ترك المستندات أو الوسائل مع وجوب وضعها رهن إشارة عون التفتيش ومفتشي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين يمكنهم طلب الإطلاع عليها في أي وقت.1
والواقع أن هذه المقتضيات إن دلت فإنها تدل على متى واحد، وهو انفتاحالتشريعالمغربيعلى التقنيات الحديثة، واعتبارها ذات حجية في الإثبات.

رابعا: قوانين خاصة أخرى

إن اعتماد التقنيات الحديثة، لم تقف فقط عند حدود النصوص القانونية المشار إليها، بل تتعداها إلى نصوص أخرى مثل:
1-قانون رقم 97-15: بمثابة مدونة التحصيل الديون العمومية، والذي جاء في مادته 20 أنه: “تؤدى الضرائب والرسوم والديون العمومية أخرى إما نقدا أو بواسطة تسليم شيك أو عن طريق تحويل الدفع لفائدة حساب مفتوح في اسم المكلف بالتحصيل أو بأي وسيلة أخرى للأداء منصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل…”
فأداء الديون العمومية قد يتم بأي وسيلة أداء، والتي قد تكون أحد مستجدات التقنيات الحديثة ما دام أنه من شأن هذه التقنيات الوصل إلى الغاية المتوخاة ألا وهي أداء الدين العام.
2-القانون رقم 9.88: المتعلق بالقواعد المحاسبة الواجب على التجار العمل بها والذي أوجب في مادته الأولى على: ” كل شخص طبيعي أو معنوي له صفة تاجر بمدلول هذه الكلمة في قانون التجارة أن يمسك محاسبته وفق القواعد التي ينص عليها القانون والبيانات الواردة في الجداول الملحقة به…”.
فلكي تكون المحاسبة دقيقة وفعالة خاصة بالنسبة للمؤسسات الكبرى، فإنه من الأفيد الاستعانة بمستحضرات ومستجدات التقنيات الحديثة لإنجاز مختلف العمليات التي ترتكز عليها المحاسبة، فتصبح تلك المستخرجات المضبوطة كوثائق محاسبية يمكن الاعتماد عليها في إثبات الحقوق سيما بين التجار.
وإضافة إلى هذه النصوص والقوانين الخاصة، فإن هناك مجموعة من الظهائر قد اهتمت مستجدات التقنيات الحديثة وأشارت إليها سواء من بعيد أو من قريب ونذكر من بين هذه الظهائر:
-ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 221-93-1 صادر في ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 يتعلق ببورصة القيم
-ظهير شريف معتبر بمثابة قانون رقم 212-93-1 صادر في 04 ربيع الآخر 1414 موافق ل 21 سبتمبر 1993 متعلق بمجلس القيم المنقولة وبالمعلومات المطلوبة على الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الاكتساب على اسمها أو سنداتها.
-ظهير شريف رقم 19-00-01 صادر في 09 ذي القعدة 1420 موافق ل 15 فبراير2000بتنفيذ القانون رقم 1797 المتعلق بحماية الملكية الصناعية.
-ظهير شريف رقم 20-00-1 صادر في 09 ذي العقدة 1420 موافق ل 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 2.00/2 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.

المطلب الثاني: إثباتالعقدالالكتروني: أية فعالية لقواعد الإثبات المضمنة في ق.ل.ع؟

إن البحث في مدى فعالية قواعد الإثبات التقليدية المضمنة في صلب قانون الالتزامات والعقود، وحدود استيعابها للتطورات الحديثة التي أفرزت ما يسمى بالعقدالالكترونييفرض علينا أن نبين مدى اتصال تلك القواعد بالنظام العام (الفقرة الأولى)قبل أن نبحث في مدى إمكانية تطويع هذه القواعد لتغدو مستجيبة لإثباتالعقدالالكتروني(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مدى اتصال قواعد الإثبات بالنظام العام

إن الفائدة المرجوة في البحث في مدى اعتبار قواعد الإثبات متعلقة بالنظام العام من عدمه تتجلى أساسا في النتائج المترتبة على ذلك فالقول بأن مدة الوسائل من النظام العام يتيح للأطراف إمكانية التمسك بما في أية مرحلة من مراحل التقاضي بل ويمكنه إثارتها لأول مرة أمام مجلس الأعلى بمعنى أنها من القواعد الآمرة والاتفاق على مخالفتها يعد باطلا بطلان مطلق.
أما القول بخلاف ذلك، من أن قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام.فينبغي عكس النتائج الأولى، فهي من تم قواعد مكملة يمكن الاتفاق على خلافها تم إنه لا يسوغ التمسك بها إلا ممن لهم المصلحة وبالتالي لا يمكن إثارتها لأمل مرة أمام المجلس الأعلى.
والواقع أن هذا الموضوع عرف انقساما فقهيا وقضائيا بين من يرى باتصال قواعد الإثبات بالنظام العام وبين من يرى غير ذلك، وكل من الفرقين أسس دراية انطلاقا من مجموعة من المؤيدات والمبررات القانونية.
أما عن موقف المشرعالمغربيفالملاحظ أن لم يضع قاعدة جواز اتفاق الأطراف على مخالفة القواعد الموضوعية للإثبات في نص تشريعي، ولكن عملا بالرأي السائد فقها وقضاءا في فرنسا فإن بعض الفقه المغربي1 يرى بأن كل اتفاق من شأنه أن يعدل في قواعد الإثبات يعتبر اتفاقا صحيحا شريطة بأن يكون هذا التعديل أثناء سير الدعوى ليخلص إلى أن القواعد المتعلقة بمحل الإثبات وحيدة وطرقه لا تتصل بالنظام العام فيجوز الاتفاق على مخالفتها والتنازل عنها ولا يجوز المسك بها في أية حالة كان عليها الدعوى إلا إذا كان هذا التمسك في أول مرحلة من مراحل الدعوى وقبل الدفع بالأساس حتى أنه لا يحق للقاضي أن يرفض مخالفتها من تلقاء نفسه.
أما القضائي فنسجل بشأنه سكوتا وفراغا كبيرين حين لم يعبر المجلس الأعلى وزلا محاكم الموضوع عن رأيهم في الموضوع.

الفقرة الثانية: حدود استيعاب القواعد العامة لإثباتالعقدالالكتروني

لئن كان المشرعالمغربيأقر بموجب الفصل 443 من ق.ل.ع بقاعدة أساسية مفادها أنه لا يجوز الإثبات بالشهادة متى تجازوت الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية قيمة 250 درهم وإن أكد أيضا من خلال الفصل 444 من نفس القانون على أنه لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين شهادة الشهود لإثبات ما يخالف.
بعد أن تطرق الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود إلى قاعدة أساسية ضمن فيها أنه لا يجوز الإثبات بالشهادة متى تجاوزت الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية قيمة 250 درهما، وتطرق كذلك الفصل 444 من نفس القانون إلى أنه لا تقبل في النزاع بين المتعاقدين شهادة الشهود لإثبات ما يخالف أو يجاوز ما جاء في الحجج ولو كانت القيمة تقل عن 250 درهما، نلاحظ أن المشرع قد نص على حالات أجيزت فيها الشهادة على سبيل الاستثناء وذلك في الفصلين 447و 448 من قانون الالتزامات والعقود.
وقد نص الفصل 447 من قانون الالتزامات والعقود على الحالة الاستثنائية الأولى التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة حيث جاء فيه:
<<لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق (يعني الفصلين 443و 444) عندما توجد بداية حجة بالكتابة، وتسمى بداية حجة بالكتابة كل كتابة من شأنها أن تجعل الواقعة المدعاة قريبة الاحتمال إذا كانت صادرة ممن يحتج بها عليه، أو ممن أنجز إليه الحق، أو ممن ينوب عنه.
وتعتبر صادرة من الخصم كحجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة ي محرر أو في حكم قضائي صحيحين شكلا>>.
أما الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، فقد نص على حالتين يجوز فيهما كذلك الإثبات بشهادة الشهود، وهما حالة فقدان السند الكتابي وحالة المانع من الحصول على دليل كتابي وذلك كالآتي:
<<استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:
1-في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي الالتزام له أو للتحليل من التزام عليه نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة أو سرقة، وتخضع الأوراق النقدية والسندات لحاملها لأحكام خاصة.
2-إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها الالتزامات ناشئة عن شبه العقود وعن الجرائم والحالة التي يراد فيها إثبات وقوع غلط مادي فقي كتابة الحجة أو حالة الوقائع المكونة للإكراه أو الصورية أو الاحتيال أو التدليس التي تعيب الفعل القانوني وكذلك الأمر بين التجار فيما يخص الصفقات التي لم تجر العادة بتطلب الدليل الكتابي لإثباتها.
تقدير الحالات التي يتعذر فيها على الدائن الحصول على الدليل الكتابي موكول لحكمة القاضي>>.
يلاحظ من خلال الفصل 447 المذكور سابقا، أنه قد نوجد أحيانا أما دليل كتابي لكنه دليل غير مكتمل الشروط، كالورقة الرسمية التي تخلف أحد شروطها الرئيسية، أو الورقة العرفية التي لا تحمل توقيعا في هذه الحالات تكون الورقة باطلة من حيث الشكل المطلوب قانونا، ولكنها تعتبر بداية حجة كتابية، فتقبل حسب مفهوم الفصل المذكور على أساس أنها دليل ناقص تنقع تكملته بطرق أخرى كالشهادة على سبيل المثال.
أما فيما يتعلق بالفصل 448، فيستنتج من خلاله أنه يصعب على بعض الأشخاص في ظروف معينة إعداد دليل كتابي. وقد تبلغ هذه الصعوبة حد الاستحالة فيأخذ القانون هذه الظروف في الاعتبار ويعفي أصحابها من الإثبات بالكتابة وذلك حماية لحقوقهم، وعادة ما يكون مرد هذه الاستحالة على ظروف مادية أو نفسية حالت دون إعداد هذا الدليل، وأحيانا أخرى يكون الدليل قد تم إعداده فعلا لكنه فقد في وقت لاحق لظروف مماثلة.1
فإذا كانت الحالة الأولى قد سمح فيها المشرع بالإثبات بالشهادة لأن المدعي قد استحال عليه وقت إبرام التصرف أن يحصل على دليل كتابي، فإنه في الحالة الثانية نوجد أمام استحالة لاحقة للتصرف بين الحالتين هو الذي جعل المشرع يجمع بينهما في فصل واحد.1
وسواء كان المانع أدبيا أم ماديا، فقد كان الأجدر بالمشرعالمغربيإسقاط الفقرة الثانية من الفصل 448 من قانون الالتزامات والعقود، مادام أن الأمر يتعلق في حالة المانع المادي بوقائع مادية يمكن إثباتها بكافة
طرق الإثبات، ومن ذلك شهادة الشهود مثلا، أما في حالة المانع الأدبي فيمكن الرجوع إلى القواعد العامة ما دام لا يوجد نرص يقضي بوجوب الأخذ بهذا المانع.
والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا المقام، هو هل اعتبار التعامل بوسائل الاتصال الحديثة كالحاسب الآلي والإنترنيت لإبرام العقود الالكترونية بمثابة مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي؟
إن المانع المادي يقوم إذ نشأ التصرف في ظروف يستحيل معها على المتعاقد الحصول على دليل كتابي، بحيث لا تترك له تلك الظروف الوقت المناسب للتنفكير في الدليل الكتابي.
ونعتقد أنه من قبيل هذه التصرفات التي تنشأ في ظروف يستحيل معها إعداد الدليل الكتابي وخصوصا فيالعقدالالكتروني، وفي هذا السياق، ذهب البعض على أنم العادة قد تشكل مانعا يجيز الإثبات بكافة الطرق والوسائل ” فإذا ما اعتاد الأفراد مثلا التعامل فيما بينهم دونت الحصول على دليل كتابي كما هو الحال في التعامل بوسائل الاتصال الحديثة، واستمر الحال فترة من الزمن يشكل مانعا بحكم العادة، والقول بغير ذلك سيجعل العقود التي تبرم بين رجال الأعمال المنتشرين في جميع أنحاء العالم تتم دون دليل عليها وهذا ليس في مصلحة أحد”.2
وخلاصة القول، فإن المشرع المغربي قد أجاز بنص الإثبات بكافة الوسائل، كلما وجد مانع يتعذر معه إعداد الدليل الكتابي مما يتأكد معه إمكانية إثباتالعقدالالكترونيبكافة الوسائل المتاحة فيما لو تعذر إثباته بالكتابة، مع العلم أن للقاضي في إطار ممارسته مهمة التسيير من هذا النوع من العقود، سلطة تبقى خاضعة لرقابة المجلس الأعلى، ما دامت وسائل الإثبات من مسائل القانون لا الواقع.

____
ينصح بالرجوع للجزء الاول 


و
ليصلك جديد مواضيع المدونة/  قم بالتسجيل في القائمة البريدية من هنـــا
___________________

أضف تعليق

Filed under مستجدات قانونية, القانون المدني, القانون المغربي, القانون الاقتصادي, التجارة الالكترونية, تعاريف قانونية

الاثبات في العقد الالكتروني في التشريع المغربي -الجزء الاول-

-الجزء الأول-


ملاحظة: لمتابعة جديد المدونة يرجى التسجيل بادخال البريد الذي تريد ان تصلك فيه المواضيع هنـــا:  _______________



تقــــــــديـــــــم

في خضم الثورة الرقمية، والصحوة المعلوماتية التي يعرفها العالم اليوم، حيث تكنولوجيا المعلومات أصبحت تشكل الجهاز العصبي للمجتمعات الحديثة، عرفت العمليات التعاقدية مجموعة من التغيرات مست نظامها وبينتها القانونية، فأصبح إبرام العقود الذي يتم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة يثير اهتمام رجل القانون والقاضي على السواء.

وبمناسبة الحديث عن العقود المبرمة بوسائل الاتصال الحديثة، فقد أدى الانتشار المتنامي لهذه الظاهرة إلى شيوع ما يسمى بالعقود الإلكترونية، هذه الأخيرة باتت اليوم تطرح مجموعة من الإشكالات القانونية، لا سيما الشق المتعلق بالإثبات، وذلك بالنظر لتعقد العلاقات الناجمة عن مثل هذا النوع من العقود، واختلاف الوسيط المادي الذي يتم من خلاله تحريرالعقدوتدوين بنوده. ففي مثل هذا النوع من التعاقد تثور مجموعة من الأسئلة الهامشية والمحورية في نفس الوقت من قبيل مدى اعتبار ما يتم تدوينه على الدعامات غير الورقية، هو من قبيل الكتابة المعتد بها في الإثبات، ومدى حجية هذه الكتابة، ويزداد الوضع تعقيدا فيما لو أراد أطرافالعقدالتمسك بالمحرر الالكتروني كدليل كتابي كامل، كما يطرح التوقيع الإلكتروني باعتباره وليد مثل هذا النوع من المعاملات بدوره مجموعة من المشكلات.
وفي ظل غياب تشريع ينظم المعاملات الإلكترونية وسبل إثباتها، فليس للباحث يد من ضرورة التنقيب والبحث في طلب القواعد العامة المضمنة في قانون الالتزامات والعقود للإجابة على التساؤلات المشار إليها.
وسنعمل بإذن الله من خلال هذا الموضوع، ملامسة أهم الإشكالات التي يطرحها الإثبات في العقود الإلكترونية، وذلك في ضوء القواعد العامة، لإدراك مدى استيعاب هذه القواعد للتعاقد بواسطة ورسائل الاتصال الحديثة، مع الوقوف بين الفينة والأخرى عند بعض التجارب المقارنة، وخاصة التجارب ذات السبق في الموضوع.
فسنبحث أولا، مسألة إثباتالعقدالإلكتروني بالنظر للشروط المتعلقة بالدليل الكتابي، والاستثناءات الواردة عليه، ومدى صحة الاتفاقات (المبحث الأول)، قبل أن تقوم برصد لتطورالتشريعالمغربيوالتشريعات المقارنة نحو الأخذ بالتقنيات الحديثة، ومركز الإثبات من ذلك (المبحث الثاني).

المبحث الأول: إثباتالعقدالالكترونيبالنظر للشروط المتعلقة بالسند الكتابي والاستثناءات الواردة عليه ومدى صحة الاتفاقات

اتبع المشرع المغربي نظام الإثبات المختلط، هذا النظام لا يتعارض مع تقييد وسائل الإثبات، حيث قام المشرعالمغربيمن خلال الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود بحل وسائل الإثبات التي يقررها القانون، وعليه فإن الأطراف لا يمكنهم أن يثبتوا إدعائهم إلا عن طريق الوسائل المضمنة في هذا الفصل، كما أن القاضي ملزم بها في يناء حكمه، حيث لا يمكن له أن يحكم بناء على علمه الشخصي.

أما بخصوص المادة التجارية فإن المشرع المغربي أخذ بمبدأ حرية الإثبات وهو ما تنص عليه المادة 335 من مدونة التجارة.

ويلاحظ أن الدليل الكتابي يعتبر من أهم أدلة الإثبات في القانون المغربي، إنه يمتاز على غيره من الأدلة بإمكانية إعداده منذ نشوء الحق أي قبل قيام النزاع، كما أنه يوفر عدة ضمانات للأطراف من أهمها ضبط الحقوق القائمة والمتراضى عليها سواء قبل النزاع أو بعده، إضافة لكون الكتابة أقل تعرضا لتأثير عوامل الزمن.

وقد وضع القانون عدة شروط يجب توافرها في الدليل الكتابي للاعتداد به في الإثبات إن أن هناك بعض الاستثناءات التي ترد على الكتابة بمفهومها التقليدي في الإثبات سواء بنصوص صريحة في القانون المدني، أو ضمن مبادئ قانونية كمبدأ حرية الإثبات التجاري.

المطلب الأول: الشروط المتعلقة بالسند الكتابي حتى تم قبوله في الإثبات ومعنى توافرها في المحرر الالكتروني

يعطي نظام الإثبات في القانون المدني أفضلية للكتابة على باقي طرق الإثبات الأخرى، وبالتالي فإن ما يشترطه القانون لقيام سند كتابي حتى يتم قبوله في الإثبات يتمثل في أن يكون السند مكتوبا، وأن يكون موقعا.

الفقرة الأولى: وجوب أن يكون الدليل مكتوبا

هذا الشرط الأساسي ينص على ضرورة أن يكون الدليل مدونا كتابة، وهو ما سنحاول الإجابة عنه من خلال الإحاطة بمفهوم الكتابة، وارتباطها بالمحرر، وما يشكله من عائق للإقرار بحجية المحرر الالكتروني، مع قراءة جديدة لمفهوم الكتابة وارتباطها بهذا المحرر.

يقصد بالكتابة اللازمة للإثبات حسب الفقه، المستند الأصلي. فهذا المستند قد يكون ورقة رسمية، وقد يكون ورقة عرفية، وينحصر الفارق الرئيسي – من حيث الشكل- بين الورقة الرسمية والورقة العرفية في أن الأولى تصدر عن موظف عام وشخص مكلف بخدمة عامة. وأن يكون مختصا في إنشاءها من حيث الموضوع والمكان، أما الأوراق العرفية فهي التي لا تتوافر فيها مقومات الورقة الرسمية من حيث أنها لا تصدر عن موظف عام.

أما فيما عدا هذا الفارق الشكلي، فإن الدليل الكتابي رسميا كان أو عرفيا يجب – حتى يعتد به قانونا- أن يتضمن كتابة مثبتة لتصرف قانوني، أو أن يكون موقعا من الشخص المنسوب إليه الدليل، فعنصرا الدليل الكتابي إذن هما:الكتابة من جهة والتوقيع من جهة أخرى.

وعليه، وحتى يمكن اعتبار الوثيقة الناتجة عن معاملة إلكترونية دليلا كتابيا فإن ذلك يستلزم مبدئيا تركيبة للعناصر السالفة، يظهر من الواقع الحالي للقانون أن تلك الوثيقة لا تستجيب لها، لذا فإننا سنعرض للمفاهيم الموضوعية للكتابة والتوقيع لنرى مدى استيفاء الوثيقة المعلوماتية لها.

لقد جرى العرف واستقر العمل على تدوين المحررات الرسمية والعرفية على الأوراق وبالحروف الخاصة بلغة المتعاقدين أو اللغة التي يعتمدانها لتحرير العقد، فإن اللجوء إلى تدوين المحررات على وسائط إلكترونية من خلال ومضات كهربائية وتحويلها على اللغة التي يفهمها الحاسب الآلي يثير التساؤل عن مدى اعتبار المحرر الإلكتروني من قبيل الكتابة.

فمن الجدير بالتأكيد أنه ليس هناك في القانون أو في اللغة ما يلزم بالاعتقاد في أن الكتابة لا تكون إلا على الورق، وتأكد هذا المعنى في مرجعLAMYفي قانون المعلوماتية حيث أشار إلى أن المشرع لم يشر إلى دعامة من نوعية معينة، هذا وتأكيدا لما سبق فإن الكثير من الاتفاقيات الدولية تتبنى هذا الرأي ومنها على سبيل المثال، اتفاقية الأمم المتحدة الموقعة فيها بشأن النقل الدولي للبضائع لسنة 1981 التي تنص المادة 13 منها على أنه فيما يخص أغراض هذه الاتفاقية ينصرف مصطلح الكتابة أيضا على المراسلات الموجهة في شكل برقية أو تلكس1، لذلك يتضح أن الكتابة لا ينظر إليها من حيث ارتباطها بالدعامة أو الوسيط المستخدم في التدوين على دعامة مادية محددة، بل بوظيفتها في إعداد الدليل على وجود التصرف القانوني وتحديد مضمونها بما يمكن الأطراف من ا لرجوع إليه في حالة نشوب خلاف وقد اتفق الفقه أنه وحتى تقوم الكتابة بهذا الدور فلابد أن يكون الوسيط مقروءا وأن تتصف الكتابة المدونة عليه بالاستمرارية والثبات.

لذلك وحتى يمكن الاحتجاج بمضمون المحرر المكتوب في مواجهة الآخرين فإن المحرر يجب أن يكون مقروءا، وبالتالي يجب أن يكون مدونا بحروفا أو رموز معروفة ومفهومة للشخص الذي يراد الاحتجاج عليه بهذا المحرر، فإذا ما رجعنا إلى المحررات الالكترونية نجد أنه يتم تدوينها على الوسائط بلغة الآلة لا يمكن أن يراها الإنسان بشكل مباشر وإنما لابد من إيصال المعلومات في الحاسب الآلي الذي يتم دعمه ببرامج لها القدرة على ترجمة لغة الآلة إلى اللغة المقروءة للإنسان، وعلى الرغم من ذلك، وبالنظر إلى أنه يضمن قراءة هذه المحررات في جميع الأحوال باستخدام الحاسب الآلي وهو ما يعني استيفاءها للشرط المتعلق بإمكان القراءة والفهم طالما أن اللغة التي تظهر على الشاشة هي لغة مفهومة ومقروءة لأطراف العقد.

ورغم ذلك فإن بعض مخرجات الحاسب الآلي لا تثير أية صعوبة من هذه الناحية فالبطاقة والشرطة المثقبة، والدعامات الورقية المتصلة، تتضمن دون شك”كتابة” بالمعنى التقليدي في قواعد الإثبات إلا أن هناك في المقابل بعض المضرجات التي تبدو محل شك كالأشرطة الممغنطة، والأسطوانات الممغنطة، والميكرو فيلم.

فبالنسبة للميكرو فيلم يمكن القول أنه يأخذ قانونا حكم الكتابة التقليدية، فالفارق الوحيد بينهما كما يرى البعض، يكمن في مادة وركيزة الدليل فهي من الورق بالنسبة لكتابة العادية ومن مادة بلاستيكية للميكرو فيلم، أما بالنسبة للأشرطة الممغنطة وما في حكمها، فالأمر لا يبدو بهذه البساطة، فهي تحتوي على معلومات تم تخزينها مباشرة على ذاكرة الحاسبالالكترونيدون أن يكون لها أصل مكتوب ولا يمكن والأمر هكذا الإطلاع عليها إلا من خلال عرضها على شاشة الحاسب، وقد يقال لذلك أنها لا تتضمن كتابة على الإطلاق بل هي أقرب على التسجيلات الصوتية.

ورغم ذلك، وتأكيدا لما سبق ذكره فإن منظمة المواصفات العالمية ISO، وبخصوص المواصفات الخاصة بالمحررات أكدت أن المحرر هو: ” مجموعة المعلومات والبيانات المدونة على دعامة مادية… يسهل قراءتها عن طريق الإنسان أو باستخدام آلة مخصصة لذلك”.

وكذلك من أجل حسم هذه المسألة فقد أضاف المشرع الفرنسي في شأن الإثبات عن طريق الوسائل الالكترونية نص المادة 1316 من القانون المدني والذي تم تعريف المحرر المستخدم في الإثبات بأنه: ” كل تتابع للحروف أو الرموز أو الأرقام أو أي إشارات أخرى تدل على المقصود منها ويستطيع المغير أن يفهمها…”

بالإضافة على اشتراط كون المحرر الكتابي مقروءا، يشترط أيضا للاعتداء بالكتابة في الإثبات أن يتم التدوين على وسيط يسمح بثبات الكتابة عليه واستمرارها بحيث يمكن الرجوع إلى المحرر كلما كان ذلك لازما لمراجعة بنودالعقدأو لعرضه على القضاء عند حدوث خلاف بين أطرافه.

فإذا كانت الوسائط الورقية بحكم تكوينها المادي تسمح بتحقيق هذه الشروط فإن استخدام الوسائط الالكترونية يثير التساؤل عن مدة تحقق هذا الشرط فيها حتى يمكن اعتبارها من قبيل المحررات الكتابية، وفي هذا الصدد فإن الخصائص المادية للوسيطالالكترونيقد تمثل عقبة في سبيل تحقق هذا الشرط. ذلك أن التكوين المادي والميكانيكي للشرائح الممغنطة وأقراص التسجيل المستخدمة في التعاقد عن طريق الانترنت تتميز بقدر من الحساسية بما يعرضها للتلف السريع عند اختلاف قوة التيار الكهربائي أو الاختلاف الشديد في درجة حرارة تزين هذه الوسائط، وهي بذلك تعد أقل قدرة من الأوراق على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة.

ومع ذلك فإن هذه الصعوبة الفنية قد أمكن التغلب عليها باستخدام أجهزة ووسائط أكثر قدرة وبالتالي يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة ربما تفوق قدرة الأوراق العادية التي تتأثر هي الأخرى بعوامل الزمن وقد تتآكل بفعل الرطوبة نتيجة لسوء التخزين.
ويعني ذلك أن عقبة الاحتفاظ بالمحرر المكتوب لفترة طويلة من الزمن تسمح بالرجوع إليه كلما كان ذلك لازما أمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تتغلب عليها مما يعني أن المحرر المعرفي يستوفي بذاته ومتى استخدمت هذه التكنولوجيات شرط استمرارية الكتابة على الوسيط.

ويجب أيضا حتى يعتد بالدليل الكتابي في الإثبات بالإضافة إلى كونه مقروءا، ومتميزا بالثبات والاستمرارية، يجب كذلك أن لا تكون هذه الكتابة قابلة للتعديل إلا بإتلاف المحرر أو ترك أثر مادي عليه، فبخصوص المحررات المدونة على الورق فإنه لا يمكن تعديلها إلا بإتلافها أو إحداث تغييرات مادية يسهل التعرف عليها سواء بواسطة القراءة العادية أو من خلال الرجوع على الخبرة الفنية.

على أنه وبخلاف الأوراق التي تتحقق فيها هذه المواصفات، فإن الكتابة على الوسائط الالكترونية من أقراص وشرائط ممغنطة تفتقد بحسب الأصل لهذه القدرة، بل إن افتقادها هو سبب تفوقها على الوراق من ناحية الاستخدام العملي لها، فالأصل في التدوين على الوسائط الالكترونية هو قدرة كل طرف من الأطراف على تعديل مضمون المحرر وإعادة تنسيقه بالإضافة أو الإلغاء أو المحو بدون أن يظهر لهذا التعديل أي أثر مادي يمكن ملاحظته أو اكتشافه.

ويترتب على هذا الاختلاف المادي بين الأوراق والوسائط الالكترونية أن المحررالالكترونييفتقر بحسب الأصل على شرط من أهم الشروط التي تتصل بوظيفة المحرر الكتابي في الإثبات والتي تهدف إلى تحقيق الثقة في البيانات المدونة في المحرر.
ومع ذلك فإن التطور التكنولوجي قد أدى إلى حل هذه المشكلة أيضا عن طريق استخدام برامج حاسب آلي بتحويل النص الذي يمكن التعديل فيه إلى صورة ثابتة لا يمكن التدخل فيها أو تعديلها ويعرف هذا النظام باسم (Document image processing).

كذلك فقد أمكن حفظ المحررات الالكترونية في صيغتها النهائية وبشكل لا يقبل التبديل من خلال حفظها في صناديق الكترونية لا يمكن فتحها إلا بمفتاح خاص يهيمن عليه جهات معتمدة من قبل الدولة، بحيث تؤدي محاولة أطراف التعامل تعديل الوثيقة الالكترونية إلى إتلافها أو محوها تماما.

ومما لا شك فيه أن ترك تقييم مدى إمعان قبول المحررالالكترونيالذي يتم تأمين بياناته بواسطة نوع معين من المحررات في الإثبات بالمقارنة بالمحررات المدونة على الأوراق والتي يلتزم القاضي بقبولها كدليل كامل متى كانت موقعة من أطرافها وحيث أن ذلك من شأنه إضعاف الثقة في المحررات الالكترونية، فإننا نعتقد في وجوب تدخل المشرع بالنص صراحة على التكنولوجيا المعتمدة في تأمين بيانات لمحررات بما يجعلها تستوفي شرط “عدم القابلية للتعليل” وبدون حاجة إلى تدخل القاضي في تقدير مدى توفر هذا الشرط.

الفقرة الثانية: الشروط الواجب توفرها في التوقيع ومدى تحققها في التوقيع الإلكتروني

يشكل التوقيع العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي المتطلب قانون لمصلحة الورقة العرفية وكذلك بالنسبة للورقة الرسمية، وهو ما يؤكده الفصل 426 من قانون الالتزامات والعقودالمغربيالذي ينص على أنه: <>.

يذهب الأستاذ Gerve Crozeإلى أن اصطلاح التوقيع يستعمل بمعنيين: الأول أنه عبارة عن علامة أو إشارة تسمح بتمييز شخص الموقع، والثاني هو فعل أو عملية التوقيع ذاتها، بمعنى وضعه على مستند يحتوي معلومات معينة، ويعتبر المعنى الأول هو المعنى المقصود بالتوقيع في نطاق الإثبات ومن هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر التوقيع الجوهرية وهي أن يكون علامة خطية وشخصية لمن ينسب إليه المحرر، ثم أن يترك أثرا متميزا يبقى ولا يزول.

والتوقيع إما أن يكون خطيا، وإما أن يكون بالبصمة ختما أو إصبعا، فالتوقيع الخطي يكون بيد من ينسب إليه المحرر بحيث يقوم محدد لشخصية الموقع حتى ولو لم يكتب المحرر بخط يده، وتجدر الإشارة على أن المشرعالمغربيقد حصرا التوقيع في الإمضاء باليد على خلاف بعض التشريعات الأخرى التي أتاحت إمكانية التوقيع باليد أو بالختم أو ببصمة الأصبع كالمشرع المصري.

أما التوقيع الإلكتروني أو الرقمي فهو إجراء معين يقوم به الشخص المراد توقيعه على المحرر سواء في الأمر بأن يحتفظ بالرقم أو الشفرة بشكل آمن ويسري بمنع استعماله من قبل الغير، ويعطي الثقة في أن صدوره يفيد أنه بالفعل صدر من صاحبه.
وتكمن وظيفة التوقيع الإلكتروني في وظيفتين أساسيتين:

أ- أن التوقيع الرقمي يثبت الشخص الذي وقع الوثيقة بانصراف إرادته إلى الالتزام بما وقع عليه.

ب- أن التوقيع الرقمي يحدد الشيء أو الوثيقة التي تم توقيعها بشكل لا يحتمل التغيير.2

والسؤال الذي يثار هنا، هو هل يحقق التوقيع الرقمي نفس الوظيفة التي يحققها التوقيع العادي؟

ويرجع هذا التساؤل إلى الخصائص المادية الفريدة التي يتميز بها التوقيعالالكترونيبالمقارنة بالتوقيع التقليدي الذي يضعه الشخص بخط يده على المحرر الكتابي الذي يتم تهيئته ليكون دليلا في الإثبات.

ولعل أهم الأسباب التي تدعو إلى التشكك في قيمة التوقيعالالكترونيترجع إلى انفصال هذا النوع من التوقيع عن شخصية صاحبه وإمكان تكراره بدون موافقته أو عمله إذا لم يتم استخدام تقنيات تكنولوجية معقدة من أجل تأمينه.

كذلك فإن هذا التوقيع وحتى برفض استيفائه لذات الخصائص التي يتمتع بها التوقيع التقليدي لن يرتبط ارتباطا ماديا بالمحرر الكتابي الذي تتم تهيئته كدليل للإثبات إلا إذا وجدت تقنية تكفل ذلك يعترف بها القانون ويعتمدها القضاء، وفي ضوء ذلك فإن جانبا كبيرا من الفقه قد رفض اعتبار التوقيع الإلكتروني مماثلا للتوقيع التقليدي بخط اليد، رغم أن اختلاف التوقيعين يكمن في الوسيلة وليس في الهدف أو الوظيفة المبتغاة منه، وهو بذلك –التوقيع الإلكتروني- شأنه في ذلك شأن التوقيع التقليدي يصدر عن صاحبه للإفصاح عن شخصيته والتعبير عن إرادته بقبول التصرف الذي يتم التوقيع عليه والالتزام بما يرد فيه من شروط.

وهكذا فإن وجه الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في مدى تحقيق التوقيع للثقة التي يبني عليها المشرع حجية التوقيع في الإثبات، فإن توفرت ذات الثقة في التوقيع الإلكتروني فإنه يتساوى مع التوقيع التقليدي في حجيته في الإثبات، وتتعدد هذه الثقة في نوع التكنولوجيا المستخدمة في تأمين التوقيع1. وذلك بالاعتماد على أدوات ووسائل التشفير بالمفتاح العمومي، وعلى إصدار شهادات مصادقة الكترونية من هيئات معترف بها يطلق عليها اسم الشخص الثالث المصادق ويمثل هذا الطرف الثالث المحايد في أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق تعاملاتهم الالكترونية، ودولارها بالإضافة على إصدار شهادات التوثيق بتحديد هوية المتعاملين في التعاملات الالكترونية، وتحديد أهليتهم القانونية للتعامل والتعاقد، والتحقق من مضمون هذا التعامل، وسلامته وكذلك جديته وبعده عن الغش والاحتيال.

كما تقوم أيضا بإصدار المفاتيح الالكترونية سواء المفتاح الخاص الذي يتم بمقتضاه تشفير التعاملات الالكترونية، أو المفتاح العام الذي ليتم بواسطته فك التشفير وقد أسند – مثلا- قانون المعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة دبي أعمال المصادقة الالكترونية إلى “مراقب لخدمات التصديق” الذي يتم تعيينه بقرار من رئيس سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية والإعلام

لهذا فإن التوقيعالالكترونييتفوق على التوقيع التقليدي بالنظر إلى أن استيفاء من شخصية صاحب التوقيع يتم بشكل روتيني في كل مرة يتم فيها استخدام الرقم السري أو المفتاح الخاص، وبالتالي فإنه لا مجال للانتظار حتى يحدث النزاع للبحث في مدى صحة التوقيع كما هو الشأن في أغلب الأحوال بالنسبة للمحررات الموقعة بخط اليد

إلا أن الإشكال يثار حول قدرة التوقيعالالكترونيفي التعبير عن إرادة صاحبه في الرضاء بالتعاقد والقبول بالالتزام، حيث يرى جانب من الفقه أنه لا يجوز معادلة التوقيع اليدوي بالتوقيع الالكتروني، إذ يتعذر التثبت من حضور الموقع ومن وجوده المادي فعليا وقت التوقيع، وهو عنصر أساسي في التوقيع اليدوي فلا يمكن مثلا التأكيد على أن من يوقع الكترونيا بعد من وراء الجاني الآلي هو بالفعل الشخص ذاته الذي عرف عن هويته إذ لا يوجد أي تأكيد قاطع حول هوية الموقع حين لا يكون هذا الأخير موجودا بشكل مادي وقت التوقيع.

ولكن وللحيلولة دون وقع ذلك فإنه يتم اللجوء إلى التقنية المستخدمة في تأمين التوقيع الرقمي عن طريق الرقم الخاص المعتمد من طرف جهة التوثيق التي تتولى إصدار المفتاح الخاص ومن أهم أساليب استخدام المفتاح الخاصة للربط بين التوقيع وبين المحرر وتأمينها من التعديل اللجوء إلى التقنية المعروفة باسم “HACHAGE IRREVERISIBLE”والتي يتم من خلالها تحويل المحررالالكتروني(مثله في ذلك مثل التوقيع) إلى معادلة رياضية لا يمكن فهمها ولا قراءتها إلا بالمفتاح الخاص الذي يتم تسليمه إلى العميل المتعاقد بصفة شخصية تحت رقابة الوسيط المتمثل في جهة التوثيق
وبهذه التقنية فإن المحرر يختلط بالتوقيع على نحو لا يمكن فصله ولا يمكن لأحد غير صاحب المحرر المدون على هذا النحو من التدخل بتعديل مضمونه وبهذا يكون في يد كل طرف من أطرافالعقدالنسخة المحررة والموقعة من الطرف الآخر، والتي يمكنه تقديمها كدليل كتابي كامل في الإثبات

وبالرغم من هذه الإمكانية في الربط بين المحرر وبين التوقيع وتأمينها من التلاعب فيهما فإننا نتحفظ على ذلك بأن قبول المحرر الإلكتروني بواسطة القاضي كدليل كتابي يقتضي في بادئ الأمر أن يقرر القاضي مدى كفاءة التقنية المستخدمة في استيفاء الشروط التي تؤهل التوقيع للقيام بدوره في الإثبات، وهو ما يضعف من قوة المحرر الإلكتروني ويؤدي إلى تهديد الثقة التي يجب توفيرها للمتعاملين به

وهكذا فبينما يعد المحرر العرفي الموقع دليلا كتابيا كاملا، فإن قبول المحرر الإلكتروني كدليل في الإثبات يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، وهو ما يتساوى من الناحية العملية مع قلب عبء الإثبات في شأن صحة الدليل الكتابي

لذلك فلا بد من تدخل المشرع بتحديد التقنيات التي إذا ما تم استخدامها يكون التوقيع الإلكتروني صحيحا، والتي يتحقق بموجبها الارتباط المادي بين التوقيع وبين المحرر الإلكتروني

المطلب الثاني : إثبات العقود الإلكترونية بواسطة الاستثناءات القانونية المقررة على الدليل الكتابي والاتفاقات الخاصة

تعرفنا في المطلب الأول على الشروط الواجبة التوفر في الدليل الكتابي حتى يمكن الاعتداد به في الإثبات ،وهى الكتابة والتوقيع ، وخلصنا إلى أن الورقة العرفية لا يمكن أن تستوعب طرق الاتصال الحديثة لأن المشرع بصريح العبارة في مقتضي الفقرة الثانية من الفصل 426 من ق ل ع أشترط وجوبا أن يكون التوقيع بخط يد الملتزم، وهو مالا يمكن مجاراته عمليا مع تطور وسائل التعاقد عن بعد.

وعلى الرغم من أن القاعدة العامة في إثبات التصرفات في الميدان المدني هو التقييد، ووجوب إثباته كتابه إذا تجاوزت قيمة التصرف 250 درهم حسب مقتضيات الفصل 443 من ق ل ع، إلا أن المشرع أورد عدة استثناءات على هذه القاعدة ، يمكن من خلالها الاستغناء عن ضرورة التوفر دليل كتابي كامل والاكتفاء بأي وسيله أخرى من وسائل الإثبات، وهى واردة على سبيل الحصر<>ومن جهة أخرى قد يعمد الأطراف إلى الاتفاق فيما بينهم على إعطاء الحجية لوسيلة معينه يتم اللجوء إليها في الإثبات عند النزاع، الشيء الذي يطرح الإشكال حول مدى صحة هذه الاتفاقات<>.

الفقرة الأولى : الاستثناءات القانونية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة

سنقوم من خلال هذه الفقرة بعرض لمدى إمكانية الاعتماد على الاستثناءات القانونية لإعطاء الحجية للعقد الإلكتروني الذي يتم إبرامه عن طريق وسائل الاتصال الحديثة لعلها تسعفنا في استيعاب هذه الوسائل لإمكانية إعطاءها حجة في الإثبات، وذلك من خلال ثلاث نقط على التوالي:

أولا: بداية حجة كتابيه

بداية حجة كتابيه أو مبدأ الثبوت بالكتابة كما تسميها بعض التشريعات العربية، نص عليها المشرعالمغربيفي صريخ الفصل 447 من ق ل ع والذي جاء فيه: (لا تطبق الأحكام المقررة فيما سبق عندما توجد بداية حجة بالكتابة وتسمى حجة بالكتابة كل كتابة كانت صادرة ممن يحتج بها عليه أو ممن أنجز إليه الحق منه أو ممن ينوب عنه.

وتعتبر صادرة من الخصم كل حجة يحررها بناء على طلبه، موظف رسمي مختص، في الشكل الذي يجعلها حجة في الإثبات، وكذلك أقوال الخصوم الواردة في محرر أو حكم قضائي صحيحين شكلا).

ويستنتج من نص الفصل أعلاه أنه يستلزم لإعمال هذا الاستثناء شرطان، أولهما أن توجد كتابة، وثانيهما أن تكون صادرة ممن يحتج بها ضده، لكن ما المقصود بالكتابة في هذه الحالة؟ وما هي الحلول القانونية المتبعة في حالة إنكار هذه الورقة ممن يحتج بها ضده؟.

وبالرجوع إلى أغلب الفقه نراه يجيب على أن الكتابة هنا تؤخذ بأوسع معنييها، فهي تنصرف إلى أية كتابه دون اشتراط أي شكل خاص أو توقيع، ودون أن تكون معدة للإثبات، ولكن إذا ما أخذنا بهذا المفهوم يطرح تساؤل أخر بخصوص طبيعة الدعامة التي يجب أن تدون عليها الكتابة ؟

إذا ما تمعنا في الفصل السابق نجده خاليا من أي تحديد لطبيعة الدعامة، أي انه لا يوجد ما يلزم أن تكون الكتابة فوق ورق عادى، ولكن بشرط أساسي وأن تكون الكتابة الموجودة على الدعامة لا تقبل التعديل أو التغيير ،فإذا ما توافرت هذه الشروط يمكن الحديث عن توافر شرط الكتابة.

أما فيما يتعلق بالشرط الثاني أي بوجوب صدور تلك الكتابة عمن يحتج بها عليه، فإن طبيعة التعاملات الإلكترونية والتي تتم عن طريق وسائط ليس لها وجود مادي، فإنه تبرز صعوبة نسبة هذه الكتابة لأي الشخص المراد الاحتجاج بها ضده ، بالإضافة إلى الحالة التي ينكر فيها الشخص الكتابة التي صدرت منه، فلا يوجد من الوسائل ما يمكن أن تبرهن على أن هذه الكتابة قد صدرت منه فعلا، وذلك بخلاف الكتابة التقليدية والتي تتم على محرر مادي ملموس يمكن أن يحتج به في كل سهوله إذا ما كان موقعا منه أو مكتوبا بخط يده أو من ينوب عنه.

لهذا نؤيد بعض الفقه الذي يذهب إلى استبعاد التعاملات الالكترونية من إعطاءها صفة بداية حجة كتابية للأسباب التي تم ذكرها ، وتفنيدا لما ذهب إليه بعض الفقه الأخرمن إمكان إعطاء المحررات الالكترونية صفة بداية حجة كتابيه بشرط أن تكون موقعه إلكترونيا ممن صدرت عنه، وهو ما يتجافى إطلاقا مع صريح مع قانون الالتزامات والعقود من عدم الاعتداد بالتوقيع الإلكتروني وعدم إعطاءه حجية التوقيع التقليدي.

ثانيا : حالة فقدان الدليل الكتابي

نص المشرع على هذه الحالة ضمن مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 448 من ق ل ع والتي تنص على أنه: (استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود:

1.في كل حالة يفقد فيها الخصم المحرر الذي يتضمن الدليل الكتابي لالتزام له أو للتحليل من التزام عليه،…).

وباستقراء مقتضيات هذا الفصل نتوصل إلى الشروط المتطلبة لإعطاء التعاملات الالكترونية حجية في الإثبات، فينبغي بداية أن يثبت الشخص أنه قد حصل على الدليل الكتابي الذي يقتضيه القانون مسبقا ثم ضياع هذا السند لسبب أجنبي خارج عن إرادته.
بعدما تبينا فحوى هذه الشروط، نستخلص من خلال الشرط الأول أن المشرع قد تطلب وجود دليل كتابي كامل، وأن كلا الطرفين قد بذلا جهدهما من أجل هذا ولم يتوان عن توفير الشروط المتطلبة قانونا1 لهذا ومع عدم توفر شروط الدليل الكتابي في المحرر الإلكتروني أصلا. لا يمكننا الحديث هنا عن إعمال هذا الاستثناء، أي أن فقد احد الشروط يعني الاستثناء كله.

ثالثا :استحالة الحصول على دليل كتابي:

أشار المشرع إلى هذه الحالة في مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 448 من ق ل ع فجاءت تقضى بأنه:

(استثناء من الأحكام السابقة يقبل الإثبات بشهادة الشهود :
1…….
2.إذا تعذر على الدائن الحصول على دليل كتابي لإثبات الالتزام كالحالة التي تكون فيها العقود ناشئه عن شبه العقود وعن الجرائم…).

انطلاقا من هذا النص يتضح لنا أن القانون حينما يفترض الكتابة في الإثبات، إنما يفترض إمكان الحصول على دليل كتابي، فإذا كانت هناك ظروف تحول دون ذلك، فإن الشهادة تجوز في الإثبات نزولا على ما يقتضيه العقل وتوجبه العدالة، وتعتبر هذه الحالة تطبيقا للقاعدة العامة (أنه لا يكلف شخص بمستحيل)

وينبغي أيضا لأعمال هذا الاستثناء وأن يكون السبب المانع خارج عن إرادة الشخص وليس له دور في حدوثه، وأن يعمل كل ما في وسعه للحصول على الدليل ولكن كل محاولاته قد باءت بالفشل، ومعظم الأمثلة الواردة تؤيد ما ذهبنا إليه من صوريه وغلط وتدليس…

وبالرجوع لبعض مواقف الفقهية3 والتي اعتبرت أن العادة أو الطبيعة المادية للوسائط الالكترونية قد تكون مانعا يجيز الإثبات بكافة طرق الطرق والوسائل ، فإنها تبقى محل نظر لعدة أسباب أهمها أن العادة أو الطبيعة المادية للوسائط الالكترونية لاتصل إلى درجة الاستحالة. لأن الانترنت لا يعتبر الطريق للتعاقد، وإرادة المتعاقد تبقى بارزه ومحل اعتبار مع علمها المسبق ووعيها التام بصعوبة الحصول على دليل يثبت التعاقدات التي سيقوم بإبرامها.

نستخلص من ما سبق أن اللجوء إلى الاستثناءات الواردة على مبدأ الإثبات الكتابي والتسلل منه يؤدى إلى إهدار المبدأ الأصيل لتعميم الاستثناء ليحل محل هذا المبدأ في جميع المعاملات والتعاقدات التي تتم عبر وسائل الاتصال الحديثة ، وتأكيدا لهذا الرأي يكمن الرجوع لتقرير مجلس الدولة الفرنسي في هذا الموضوع بتاريخ 2 يوليوز 1998 والذي جاء فيه أن: ( اللجوء إلى نظام الاستثناءات على مبدأ وجوب الإثبات بالدليل الكتابي ليس مقبولا لأنه ينظر إلى الإثبات عن طريق المحررات الالكترونية من منظور قاصر وغير حقيقي. فسواء كان التوجه إلى الاستناد إلى مبدأ بداية حجه كتابيه أو إلى الاستحالة المادية للحصول على محرر مدون بالطريقة التقليدية فإن ذلك ليس إلا متهربا من مواجهة الواقع الزى أصبح مفروضا في وقتنا الحالي، أي واقع التعامل بالمحررات الالكترونية)1.

الفقرة الثانية : الاستثناءات الاتفاقية على مبدأ وجوب الإثبات بالكتابة

من المعلوم أن قواعد الإثبات تنقسم إلى شقين أساسين، أولهما القواعد الإجرائية أو المسطرية، وثانيهما القواعد الموضوعية المنظمة لمحل الإثبات وعبئه وطرقه وحجيته.
ومما لاشك فيه أن القواعد الإجرائية في الإثبات بقسميها المدني والجنائي لها تعلق مباشر بالنظام العام، وبالتالي عدم جواز الاتفاق على مخالفة أحكامها

أما بالنسبة للقواعد الموضوعية في الإثبات فإن الفقه مختلف فيه فجانب يرى أنه غير متعلق بالنظام العام. أي أن كل اتفاق يتناول بالتعديل لهذه القواعد يعتبر اتفاقا صحيحا نافذا، بينما يرى جانب أخر من الفقه3 أن قواعد الإثبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة : أولا قبول أدلة الإثبات، وثانيا عبء الإثبات، ثالثا حجية دليل الإثبات، فيفتح الباب أمام الأطراف للاتفاق على قبول الأدلة الذين ارتضوها، مثل إحلال شهادة الشهود محل الكتابة إذا كانت هذه الأخيرة هي المطلوبة، أما بالنسبة لعبء الإثبات وحجية دليل الإثبات وحدود هذه الحجية وطرق إنكارها واثبات عكسها مع ضرورة ربط هذه المقتضيات بالنظام العام، وإخضاع هذه المقتضيات دائما للسلطة التقديرية للقاضي، وذلك تأكيدا لمهمته الأساسية وهى إحقاق الحق وإبطال الباطل وإعطاء الحق لأهله. ومن مؤيدات ما ذهب إليه هذا الاتجاه هو عدم بعض المبادئ العامة في ميدان الإثبات مثل عدم جواز اصطناع الشخص دليلا لنفسه، بالإضافة إلى أن الاتفاق لا ينبغي أن يصل إلى درجة حرمان أحد طرفيه من حقه في ما يدعيه كليا ؟ أو إعطاء دليلا يملكه أحد الأطراف حجة قاطعة؟

وتعقيبا على رأى الجانب المعارض لفكرة تعلق قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام محيلا في ذلك على رأى غالبية الفقه والقضاء في فرنسا ومصر رغم صراحة النص في كلا التشريعين من خلال المادة 1341 من التقنين المدني الفرنسي وتقابلها نص المادة 60 من قانون الواثبات المصري والتي نورد نصهما للأهمية البالغة وهو ينص على: (في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته عل مائة جنيه، أو كان غير محدد القيمة، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك)

فرغم عدم ربط قواعد الإثبات الموضوعية بشكل عام في مصر وفرنسا بالنظام العام، لكنها تمتلك من القواعد القانونية ما تستطيع به أن تحمى إرادة الطرف الضعيف وإرادة المستهلك بشكل عام يجنبها التعسف في فرض الشروط ، وكمثال على ذلك نذكر مضمون المادة 149 من القانون المدني المصري والتي تعطي بمقتضاه للقاضي سلطة تقدير مدى تعسفية الشرط من عدمه مع إعطاءه سلطه في تعديل هذه الشروط أو إعفاء الطرف الضعيف منها .

كما أن قراءة مقتضيات المادة 443 من ق ل عالمغربيبتمعن توحي على أن مقتضياتها تتعلق بالنظام العام لأن المشرع أورد كلمة يلزم وهى توحي بالوجوب.

نخلص من كل ما سبق إلى تبنى الرأي الفقهي الذي يربط قواعد الإثبات الموضوعية بالنظام العام لما تحققه من حماية للطرف الضعيف في غياب أي نص قانوني مغربي يسمح للقاضي بالتدخل لتعديل أو إلغاء الشروط التعسفية التي يمكن أن تضمن في العقد، وتأكيدا لما ذهبنا إليه نورد التعامل مع البنوك عن طريق الشبابيك الأوتوماتيكية والتي تشترط فيه البنوك في عقودها مع زبناءها على إعطاء ذلك الشريط الورقي حجية قاطعه ومطلقه تفوق حجة المحررات العرفية، وهو ما يسلب القاضي سلطته في تقدير قيمة الأدلة المنازع فيها.
,,,



و
ليصلك جديد مواضيع المدونة/  قم بالتسجيل في القائمة البريدية من هنـــا
_____________________

ملاحظة: لمتابعة جديد المدونة يرجى التسجيل بادخال البريد الذي تريد ان تصلك فيه المواضيع هنـــا:  

أضف تعليق

Filed under مستجدات قانونية, القانون المدني, القانون المغربي, التجارة الالكترونية, تعاريف قانونية

مدى تحقق الشروط في التوقيعين الكتابي والإلكتروني

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله

يشكل التوقيع العنصر الثاني من عناصر الدليل الكتابي
المتطلب قانون لمصلحة الورقة العرفية وكذلك بالنسبة للورقة الرسمية، وهو ما يؤكده
الفصل 426 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أنه: << يسوغ
أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد الشخص الملتزم بها بشرط أن تكون موقعة منه،
ويلزم أن يكون التوقيع بيد الملتزم وأن يرد في أسفل الورقة، ولا يقوم الطابع أو
الختم مقام التوقيع، ويعتبر وجوده كعدمه>>.
يذهب الأستاذ Gerve Croze إلى أن
اصطلاح التوقيع يستعمل بمعنيين: الأول أنه عبارة عن علامة أو إشارة تسمح بتمييز
شخص الموقع، والثاني هو فعل أو عملية التوقيع ذاتها، بمعنى وضعه على مستند يحتوي
معلومات معينة، ويعتبر المعنى الأول هو المعنى المقصود بالتوقيع في نطاق الإثبات
ومن هذا التعريف يمكن استخلاص عناصر التوقيع الجوهرية وهي أن يكون علامة خطية
وشخصية لمن ينسب إليه المحرر، ثم أن يترك أثرا متميزا يبقى ولا يزول.
1
والتوقيع إما أن يكون خطيا، وإما أن يكون بالبصمة ختما
أو إصبعا، فالتوقيع الخطي يكون بيد من ينسب إليه المحرر بحيث يقوم محدد لشخصية
الموقع حتى ولو لم يكتب المحرر بخط يده، وتجدر الإشارة على أن المشرع المغربي قد
حصرا التوقيع في الإمضاء باليد على خلاف بعض التشريعات الأخرى التي أتاحت إمكانية
التوقيع باليد أو بالختم أو ببصمة الأصبع كالمشرع المصري.
 أما التوقيع
الإلكتروني أو الرقمي فهو إجراء معين يقوم به الشخص المراد توقيعه على المحرر سواء
في الأمر بأن يحتفظ بالرقم أو الشفرة بشكل آمن ويسري بمنع استعماله من قبل الغير،
ويعطي الثقة في أن صدوره يفيد أنه بالفعل صدر من صاحبه.
وتكمن وظيفة التوقيع الإلكتروني في وظيفتين أساسيتين:
أ- أن التوقيع الرقمي يثبت الشخص الذي وقع الوثيقة
بانصراف إرادته إلى الالتزام بما وقع عليه.
ب- أن التوقيع الرقمي يحدد الشيء أو الوثيقة التي تم
توقيعها بشكل لا يحتمل التغيير.
2
والسؤال الذي يثار هنا، هو هل يحقق التوقيع الرقمي نفس
الوظيفة التي يحققها التوقيع العادي؟
ويرجع هذا التساؤل إلى الخصائص المادية الفريدة التي يتميز
بها التوقيع الالكتروني بالمقارنة بالتوقيع التقليدي الذي يضعه الشخص بخط يده على
المحرر الكتابي الذي يتم تهيئته ليكون دليلا في الإثبات.
ولعل أهم الأسباب التي تدعو إلى التشكك في قيمة التوقيع
الالكتروني ترجع إلى انفصال هذا النوع من التوقيع عن شخصية صاحبه وإمكان تكراره
بدون موافقته أو عمله إذا لم يتم استخدام تقنيات تكنولوجية معقدة من أجل تأمينه.
كذلك فإن هذا التوقيع وحتى برفض استيفائه لذات الخصائص
التي يتمتع بها التوقيع التقليدي لن يرتبط ارتباطا ماديا بالمحرر الكتابي الذي تتم
تهيئته كدليل للإثبات إلا إذا وجدت تقنية تكفل ذلك يعترف بها القانون ويعتمدها
القضاء، وفي ضوء ذلك فإن جانبا كبيرا من الفقه قد رفض اعتبار التوقيع الإلكتروني
مماثلا للتوقيع التقليدي بخط اليد، رغم أن اختلاف التوقيعين يكمن في الوسيلة وليس
في الهدف أو الوظيفة المبتغاة منه، وهو بذلك – التوقيع الإلكتروني- شأنه في ذلك
شأن التوقيع التقليدي يصدر عن صاحبه للإفصاح عن شخصيته والتعبير عن إرادته بقبول
التصرف الذي يتم التوقيع عليه والالتزام بما يرد فيه من شروط.
وهكذا فإن وجه الاختلاف الوحيد بينهما يكمن في مدى تحقيق
التوقيع للثقة التي يبني عليها المشرع حجية التوقيع في الإثبات، فإن توفرت ذات
الثقة في التوقيع الإلكتروني فإنه يتساوى مع التوقيع التقليدي في حجيته في
الإثبات، وتتعدد هذه الثقة في نوع التكنولوجيا المستخدمة في تأمين التوقيع
1. وذلك بالاعتماد على أدوات
ووسائل التشفير بالمفتاح العمومي، وعلى إصدار شهادات مصادقة الكترونية من هيئات
معترف بها يطلق عليها اسم الشخص الثالث المصادق ويمثل هذا الطرف الثالث المحايد في
أفراد أو شركات أو جهات مستقلة محايدة تقوم بدور الوسيط بين المتعاملين لتوثيق
تعاملاتهم الالكترونية، ودولارها بالإضافة على إصدار شهادات التوثيق بتحديد هوية
المتعاملين في التعاملات الالكترونية، وتحديد أهليتهم القانونية للتعامل والتعاقد،
والتحقق من مضمون هذا التعامل، وسلامته وكذلك جديته وبعده عن الغش والاحتيال.
كما تقوم أيضا بإصدار المفاتيح الالكترونية سواء المفتاح
الخاص الذي يتم بمقتضاه تشفير التعاملات الالكترونية، أو المفتاح العام الذي ليتم
بواسطته فك التشفير وقد أسند – مثلا- قانون المعاملات والتجارة الالكترونية لإمارة
دبي أعمال المصادقة الالكترونية إلى “مراقب لخدمات التصديق الذي
يتم تعيينه بقرار من رئيس سلطة منطقة دبي الحرة للتكنولوجيا والتجارة الالكترونية
والإعلام
2.  
لهذا فإن التوقيع الالكتروني يتفوق على التوقيع التقليدي
بالنظر إلى أن استيفاء من شخصية صاحب التوقيع يتم بشكل روتيني في كل مرة يتم فيها
استخدام الرقم السري أو المفتاح الخاص، وبالتالي فإنه لا مجال للانتظار حتى يحدث
النزاع للبحث في مدى صحة التوقيع كما هو الشأن في أغلب الأحوال بالنسبة للمحررات
الموقعة بخط اليد
3.
إلا أن الإشكال يثار حول قدرة التوقيع الالكتروني في
التعبير عن إرادة صاحبه في الرضاء بالتعاقد والقبول بالالتزام، حيث يرى جانب من
الفقه أنه لا يجوز معادلة التوقيع اليدوي بالتوقيع الالكتروني، إذ يتعذر التثبت من
حضور الموقع ومن وجوده المادي فعليا وقت التوقيع، وهو عنصر أساسي في التوقيع
اليدوي فلا يمكن مثلا التأكيد على أن من يوقع الكترونيا بعد من وراء الجاني الآلي
هو بالفعل الشخص ذاته الذي عرف عن هويته إذ لا يوجد أي تأكيد قاطع حول هوية الموقع
حين لا يكون هذا الأخير موجودا بشكل مادي وقت التوقيع.
1
ولكن وللحيلولة دون وقع ذلك فإنه يتم اللجوء إلى التقنية
المستخدمة في تأمين التوقيع الرقمي عن طريق الرقم الخاص المعتمد من طرف جهة
التوثيق التي تتولى إصدار المفتاح الخاص ومن أهم أساليب استخدام المفتاح الخاصة
للربط بين التوقيع وبين المحرر وتأمينها من التعديل اللجوء إلى التقنية المعروفة
باسم “
HACHAGE
IRREVERISIBLE
” والتي
يتم من خلالها تحويل المحرر الالكتروني (مثله في ذلك مثل التوقيع) إلى معادلة
رياضية لا يمكن فهمها ولا قراءتها إلا بالمفتاح الخاص الذي يتم تسليمه إلى العميل
المتعاقد بصفة شخصية تحت رقابة
الوسيط المتمثل في
جهة التوثيق
وبهذه
التقنية فإن المحرر يختلط بالتوقيع على نحو لا يمكن فصله ولا يمكن لأحد غير صاحب
المحرر المدون على هذا النحو من التدخل بتعديل مضمونه وبهذا يكون في يد كل طرف من
أطراف العقد النسخة المحررة والموقعة من الطرف الآخر، والتي يمكنه تقديمها كدليل
كتابي كامل في الإثبات
وبالرغم
من هذه الإمكانية في الربط بين المحرر وبين التوقيع وتأمينها من التلاعب فيهما
فإننا نتحفظ على ذلك بأن قبول المحرر الإلكتروني بواسطة القاضي كدليل كتابي يقتضي
في بادئ الأمر أن يقرر القاضي مدى كفاءة التقنية المستخدمة في استيفاء الشروط التي
تؤهل التوقيع للقيام بدوره في الإثبات، وهو ما يضعف من قوة المحرر الإلكتروني
ويؤدي إلى تهديد الثقة التي يجب توفيرها للمتعاملين به
وهكذا
فبينما يعد المحرر العرفي الموقع دليلا كتابيا كاملا، فإن قبول المحرر الإلكتروني
كدليل في الإثبات يخضع للسلطة التقديرية للقاضي، وهو ما يتساوى من الناحية العملية
مع قلب عبء الإثبات في شأن صحة الدليل الكتابي
لذلك
فلا بد من تدخل المشرع بتحديد التقنيات التي إذا ما تم استخدامها يكون التوقيع
الإلكتروني صحيحا، والتي يتحقق بموجبها الارتباط المادي بين التوقيع وبين المحرر
الإلكتروني
1.


1 : محمد السعيد رشدي: التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة
ومدى حجيتها في الإثبات، ص 184- 186، منشأة المعارف بالإسكندرية، السنة: 2005
2 : نور الدين الناصري: مدى ملائمة قواعد الإثبات في
قانون الالتزامات والعقود المغربي لوسائل الاتصال الحديثة دوليا ووطنيا.
1 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق
2 : إبراهيم الدسوقي أبو الليل: الجوانب القانونية
للتعاملات الالكترونية، دراسة للجوانب القانونية للتعامل عبر أجهزة الاتصال
الحديثة ” التراسل الالكتروني” الطبعة الأولى، السنة 2003، لجنة التأليف
والتعريب والنشر، جامعة الكويت
3 : حسن عبد الباسط جميعي: المرجع السابق، ص: 45
1 : محمد أخياط: بعض التحديات القانونية التي تثيرها
التجارة الالكترونية، مجلة الإشعاع، عدد 25، صفحة 17، السنة 2000
1  : حسن عبد الباسط جميعي، المرجع السابق، ص:
47-48.

أضف تعليق

Filed under القانون المدني, القانون المغربي, القانون الاقتصادي, التجارة الالكترونية

مخاطر التجارة الالكترونية

بسم الله الرحمن الرحيم الأخوة الأعزاء
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

مخاطر التجارة الالكترونية
رغم ما تقدمه فكرة
التجاره الالكترونية أو الافتراضية من تيسير للتجارة عبر
الانترنت ، فإن هذه التقنية ليست خالية
من المخاطر (1). 




فمن ناحية فإن حائز هذه النقود الالكترونية ليس فى مأمن من حادث
فنى يترتب عليه مسح ذاكرة جهازه ، وهنا سوف
يفقد كل نقوده التى بحافظة نقوده
الالكترونية دون رجعة ، ومن ناحية أخرى فإنه فى
حالة إفلاس من أصدر هذه النقود
الالكترونية فإن العميل يتعرض لخطر عدم استرداد قيمة
الوحدات التى لم يستعملها بعد ، كما
يتعرض التاجر لخطر عدم استيفاء الوحدات التى
حولها له العميل 0هناك عدة طرق يحاول
بها بعض المجرمين سرعة أو تبديل معلمات السداد
والغرض هو الاستيلاء على معلومات مالية
شخصية مثل أرقام بطاقات الائتمان والاسم
الموجود على البطاقة وتاريخ الاستحقاق
ثم يقومون باستخدام هذه المعلومات فيما بعد
لشراء سلع أخرى عبر الانترنت للتسليم
الى عنوان مؤقت وبمرور الوقت يتم اكتشاف عملية
الغش ويختفى المجرمون ومن هذه الاساليب
محاكاة المواقع والتلصص على المعلومات
وتبديل المحتوى والإنكار .

( 1) ما
المقصود بالشركة ( الافتراضية ) الإلكترونية ؟ إن الاختلاف الرئيسي بين هذا
النوع من الشركات
والشركات المعتادة هو مدي إنجاز الشركات لعملياتها إلكترونيا
. والشركة الإلكترونية بحق ليس لديها أي
دفاتر وليس بها فريق موظفين ولكنها لا تزال
تدر عائدا ، كيف ؟ عادة ما يتم ذلك بأن
تطور الشركة موقع ويب باستخدام رابط واحد
يتاجر تجزئة علي شبكة الإنترنت يقوم
بدفع إما عمولة أو أقساط مقابل المبيعات
والزيارات . وبعد تشغيل موقع الويب ،،،،
لن يتطلب الأمر أي تدخلات لتشغيل الشركة ،
وإذا قام أحد زائري هذا الموقع بالاتصال
بموقع بيع تابع ، ثم قام بشراء منتج ،
ستحصل الشركة الإلكترونية علي عائد ،
وتعد شركة
AMAZON COM واحدة
من تلك الشركات
التي تدفع عمولة في مقابل المبيعات التي
تعرض علي موقعها بهذه الطريقة

إن
إنشاء شركة افتراضية من الأساس أسهل في التنفيذ من تحويل أو إعادة هيكلة شركة
موجودة بالفعل ،
وأكبر فائدة من إنشاء الشركة من فراغ هو أنه سيتعين عليك التعامل
مع أنظمة تستخدمها
الشركة حاليا وعند إعادة هيكلة شركة للعمل بالتجارة الإلكترونية
، عادة ما يتوجب توصيل تلك الأنظمة القديمة
بأنظمة التجارة عبر الإنترنت الجديدة أو
يتعين إعادة تنظيمها وتزويدها بالأدوات
من أجل توفير إمكانيات تشغيل فورية . وتعد
هذه عملية صعبة الاستكمال عندما يصاحبها
امتناع فريق العمل عن قبول التغيير . لذا ،
فهناك العديد من الشركات تنقسم علي
نفسها للعمل بموجب تطويرات التجارة الإلكترونية
الجديدة ( وفي بعض الأحيان تكون
الاستعانة بشركة أخري في تنفيذ تلك الأعمال مفيدة
).
والخطوة
الأولي في إنشاء الشركة الافتراضية – وبعد استكمال خطة العمل – يجب أن تكون
تحديد المهام التي
ستنفذها الشركة من أجل استكمال أعمالها علي أساس يومي . ويمكن
عمل ذلك سريعا لعرض
المهام العامة الضرورية لإبرام صفقة واحدة . ويجب كذلك أن تأتى
هذه المهام عقب خطة
العمل الشاملة التي وضعتها لتحديد نشاط شركتك . فعلي سبيل
المثال ، إذا كانت خطة عمل شركتي هي أن
تبيع مجموعة معينة من المنتجات علي الإنترنت
واية خطة ” عالية المستوي “قد
تحتوي علي تلك المهام كما يلي
:
1-أمر
طلبية منتج جديد من التاجر
.
2-تلقي
المخزون المتوفر وتحديثه
.
3-تخزين
المنتج
.
4-معالجة
أوامر الطلبيات الخاصة بالعميل

5-كيفية
الوفاء

6-انتقاء
المنتج وشحنه
.
7- تأكيد
الاستلام
.

  

أضف تعليق

Filed under القانون الاقتصادي, التجارة الالكترونية, تعاريف قانونية